تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم ختم كلامه بقوله: (فقد ظهر بحمد الله تعالى صحة هذا القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف، وتعديد أسماء المفسرين، ولو كان قد ذكر في تقرير ذلك القول شبهةً لأجبنا عنها؛ إلا أنه ما زاد على الرواية عن بعض المفسرين ... ومن الذي يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين؟!. والله أعلم.) ([13])

ونقل القرطبي الأقوال عدة أقوال في بيان معنى الآية، ومنها الأقوال السابقة. وقد حكم على القول الذي رجحه ابن القيم بأنه قول حسن، ثم نقل قول ابن عطية السابق، وقال بعده: (قلت: ما ذكره من هذا التفصيل صحيح؛ لكن قوله تعالى: ? وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ? (يوسف: من الآية15) يدلّ على أنه كان نبيًّا .. ([14])، وهو قول جماعة من العلماء؛ وإذا كان نبيّاً فلم يبق إلاّ أن يكون الهمّ الذي همّ به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر؛ وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلَّف على دفعه.) ([15])

وصرح أبو حيان برأيه في هذه المسألة من البداية، فقال: (طوّل المفسرون في تفسير هذين الهمين، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق. والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله ... )، ثم بيّن الخلاف في مسألة تقدم جواب "لولا" عليها، وذكر أنه وإن كان جائزاً عند جماعة من النحويين، إلا أنه لا يقول به هنا، بل يقول: إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه.

ثم بيّن موقفه من أقوال السلف في تفسير هذه الآية، فقال: (وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاًر، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً، ولا يدل عليه دليل، لأنهم لم يقدروا "لهم بها"، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط، لأنّ ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه.

وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة، وبراءة يوسف عليه السلام من كل ما يشين.) ([16])

ولم يجزم ابن كثير برأي صريح في هذه المسألة، واقتصر على الإشارة إلى أشهر ما قيل في معنى هذا الهمّ من أقوال. ([17])

ووافق ابنُ عاشور أبا حيان فيما ذهب إليه، وذكر بعض ما يحسن الوقوف عليه هنا، فقال: (وجملة ? وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ? معطوفة على جملة ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ? كلها، وليست معطوفة على جملة ? هَمَّتْ ? التي هي جواب القسم المدلول عليه باللام؛ لأنه لما أردفت جملة ? وَهَمَّ بِهَا ? بجملة شرط ? لَوْلاَ ? المتمحض لكونه من أحوال يوسف - عليه السّلام - وحْده، لا من أحوال امرأة العزيز؛ تعين أنه لا علاقة بين الجملتين، فتعين أن الثانية مستقلة لاختصاص شرطها بحال المسند إليه فيها. فالتقدير: ولولا أن رأى برهان ربه لَهَمّ بها، فقدم الجواب على شرطه للاهتمام به ... فيحسن الوقف على قوله: ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ? ليظهر معنى الابتداء بجملة ? وَهَمَّ بِهَا ? واضحاً. وبذلك يظهر أن يوسف - عليه السّلام - لم يخالطه همّ بامرأة العزيز لأن الله عصمه من الهمّ بالمعصية بما أراه من البرهان.) ([18])

وبعد هذا العرض يتبين للقارئ أن المفسرين قد انقسموا لى قسمين في هذه المسألة:

القسم الأول: أثبتوا وقوع الهم من يوسف عليه السلام، وهؤلاء فريقان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير