تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفريق الأول: ذهب إلى أن همّه بها كان من جنس همها به، وأنه كاد أن يواقعها لولا أن الله عصمه، وصرفه عن السوء والفحشاء. وقد اعتمد هذا القول – إضافة إلى ابن جرير – النحاس ([19])، والواحدي ([20]). وقد قرره قبلهم الإمام أبوعبيد القاسم بن سلام، فقال: (وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف r لم يهمّ بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله: ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ?، قال ثم استأنف فقال: ? وَهَمَّ بِهَا لَوْلا? أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ?، بمعنى: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، واحتج بقوله: ? ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ? (يوسف: من الآية52)، وبقوله: ? وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ ? (يوسف: من الآية25). وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه همّ بها، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيماً للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم.) ([21])

والفريق الثاني: أثبت هماً وقع من يوسف عليه السلام بامرأة العزيز، ولكنه همّ خطرات، وحديث نفس. وهذا الهمّ لا يُكلف به العبد؛ لأنه خارج عن قدرته.

وقد اختار هذا القول كل من ابن عطية، والقرطبي. وقد نسبه البغوي إلى بعض أهل الحقائق، فقال: (وقال بعض أهل الحقائق: الهمّ همان:

هم ثابت، إذا كان معه عزم وعقد ورضى، مثل هم امرأة العزيز. والعبد مأخوذ به.

وهم عارض، وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام. والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل.) ([22])

وقد علّق على قوله هذا الطِّيبي، وقال: (إن هذا التفسير هو الذي يجب أن نذهب إليه ونتخذه مذهباً - وإن نقل المفسرون ما نقلوا -؛ لأن متابعة النص القاطع، وبراءة المعصوم عن تلك الرذيلة، وإحالة التقصير على الرواة أولى بالمصير إليه. على أن أساطين النقل المتقنين لم يرووا في ذلك شيئاً مرفوعاً في كتبهم، وجل تلك الروايات بل كلها مأخوذ من مسألة أهل الكتاب.) ([23]).

وقد ذكر ابن العربي ما يدل على ترجيحه لهذا القول، وشنّع على من خالفه بقوله تعليقاً على قول الله تعالى: ? وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ? (يوسف:22): (وهذا إنما بيّن الله به حال يوسف من حين بلوغه بأنه آتاه العلم , وآتاه العمل بما علم ; وخبر الله صادق , ووصفه صحيح , وكلامه حق , فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنا، وتحريم خيانة السيد أو الجار أو الأجنبي في أهله , فما تعرض لامرأة العزيز , ولا أناب إلى المراودة ; بل أدبر عنها , وفر منها ; حكمة خص بها , وعملاً بمقتضى ما علمه الله سبحانه. وهذا يطمس وجوه الجهلة من الناس والغفلة من العلماء في نسبتهم إليه ما لا يليق به , وأقل ما اقتحموا من ذلك أنه هتك السراويل , وهم بالفتك فيما رأوه من تأويل , وحاش لله ما علمت عليه من سوء , بل أبرئه مما برأه منه , فقال: ? وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ? , كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا الذين استخلصناهم. والفحشاء هي الزنا، والسوء هو المراودة والمغازلة؛ فما ألمّ بشيء ولا أتى بفاحشة.

فإن قيل: فقد قال الله: ? وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ?؟

قلنا: قد تقصينا عن ذلك في كتاب الأنبياء من شرح المشكلين , وبينا أن الله سبحانه ما أخبر عنه أنه أتى في جانب القصة فعلاً بجارحة , وإنما الذي كان منه الهمّ , وهو فعل القلب؛ فما لهؤلاء المفسرين لا يكادون يفقهون حديثاً , ويقولون: فعل , وفعل؟! واللهُ إنما قال: ? هَمَّ بِهَا ?. لا أقالهم ولا أقاتهم الله ولا عالهم.) ([24])

وممن رجح هذا القول كذلك: ابن جزي، قال: (والصواب إن شاء الله أنها همت به من حيث مرادها، وهم بها كذلك، لكنه لم يعزم على ذلك، ولم يبلغ إلى ما ذُكر من حل التكّة وغيرها، بل كان همُّه خطرةً خطرت على قلبه لم يطعها ولم يتابعها، ولكنه بادر بالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة حتى محاها من قلبه لما رأى برهان ربه. ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء؛ لأن الهمّ بالذنب ليس بذنب، ولا نقص عليه في ذلك فإنه من هم بذنب ثم تركه كتبت له حسنة.) ([25])

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير