تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والقسم الثاني: نفوا وقوع الهمّ من يوسف عليه السلام؛ فلم يقع منه همّ أصلاً عندهم لرؤيته برهان ربه. وقد تبنى الرازي أصل هذا القول، وقرره أبو حيان، وابن عاشور كما سبق.

وذكر الشنقيطي أن ما قرره أبو حيان هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية، قال: (لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ... وعلى هذا القول: فمعنى الآية: وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه، أي: لولا أن رآه همّ بها. فما قبل ? لَوْلاَ ? هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.

ونظير ذلك قوله تعالى: ? إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ? (القصص: من الآية10) فما قبل ? لَوْلاَ ? دليل الجواب، أي: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.) ([26])

النتيجة:

الذي ظهر لي من هذه الدراسة أن تبرئة نبي الله يوسف عليه السلام من كل ما نسب إليه في الآثار التي أوردها ابن جرير وغيره هو المتعين، وهو اللائق بمقام الأنبياء عليهم السلام.

ثم إن هذه الآثار – إن ثبتت عن قائليها من السلف – مأخوذة من أهل الكتاب؛ لأنه لم يثبت شيء منها في كتاب، ولا سنة. ([27])

وإذا تقرر هذا؛ فإن الأمر في توجيه معنى الآية يسير، وهو لا يخرج عن المعنيين اللذين ذكرها ابن القيم؛ وترجيح ابن القيم أقرب إلى الصواب في نظري؛ لأن الله U أثبت في الآية هماً وقع من يوسف عليه السلام، ثم صرف عنه هذا الهمّ بعد رؤيته لبرهان ربه.

ولو كان يوسف لم يهمّ أصلاً لما كان لذكر همّه في الآية فائدة ظاهرة. والله أعلم.

تنبيهات:

التنبيه الأول: سبب الخلاف:

للخلاف هنا عدة أسباب، أهمها:

الاختلاف بين المفسرين في مفهوم عصمة الأنبياء عليهم السلام.

الاختلاف النحوي بين المفسرين في مسألة تقدم جواب لولا.

الاختلاف في احتمال الآية للتقديم والتأخير.

التنبيه الثاني: تنازع هذا المثال أكثر من قاعدة تفسيرية:

القاعدة الأولى: تفسير السلف للقرآن وفهمهم له حجة على من بعدهم. ([28])

القاعدة الثانية: القول الذي يعظّم مقام النبوة، ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية. ([29])

فابن جرير ومن وافقه اعتمدوا القاعدة الأولى، ورجحوا بها، وغيرهم من المفسرين اعتمدوا القاعدة الثانية ورجحوا بها.

ولذلك صارت هذه الآية من الآيات التي أشكل فهمها.

التنبيه الثالث: ما نقل من روايات في تفسير هذه الآية معدود من جملة الإسرائليات المردودة في كتب التفسير. ([30])

الحواشي والتعليقات:


([1]) لم أجده منسوباً إلى الإمام أحمد، ونسبه البغوي في تفسيره معالم التنزيل 4/ 231 إلى بعض أهل الحقائق.

([2]) روضة المحبين ص450، وبدائع التفسير 2/ 446.

([3]) الصواعق المرسلة 2/ 716.

([4]) هو قول النبي r : )) إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم ((أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها ما جاء في كتاب الطلاق – باب الطلاق في الإغلاق والكره – حديث رقم 5269، ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحه – رقم 127.

([5]) هو قول النبي r : )) إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة ((أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الرقاق – باب: من همّ بحسنة أو سيئة – رقم 6491، ومسلم في صحيحه - كتاب الإيمان – حديث رقم 131 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([6]) انظرها في النكت والعيون للماوردي 3/ 23 - 25، وزاد المسير لابن الجوززي 4/ 203 - 207.

([7]) انظر المصدرين السابقين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير