تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكرَ مِن فوائدها:" حِرْصُ المشركينَ على ارتدادِ المؤمنينَ بِكُلِّ وسيلةٍ ولو أَدَّى ذلكَ

إلى القتالِ؛ لقوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}؛ ولهذا كانَ الغَزْو الفِكْرِيُّ،والغَزْو الأخْلاقِيُّ أعظمَ مِن الغَزْوِ السِّلاحِيِّ؛ لأنّ هذا يدخلُ على الأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر؛ وأمّا ذاكَ فَصِدَامٌ مُسَلَّحٌ يَنْفِرُ الناسُ مِنهُ بالطبيعةِ؛ فلا يُمَكِّنُونَ أحداً أنْ يُقَاتِلَهُم؛ أمّا هذا فَسِلاحٌ فَتَّاكٌ يَفْتِكُ بالأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر؛ فانظر كيفَ أفسدَ الغَزْو الفِكْرِيُّ والخُلُقِيُّ على الأمةِ الإسلاميةِ أمورَ دِينهَا، ودُنيَاهَا؛ ومَن تَأمَّلَ التاريخَ تبينُ لهُ حقيقةُ الحال ". (21)

وعند تفسيره لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء: من الآية71)

قال َ:" نأخذُ الحذرَ مِن غزو هؤلاءِ لنا سواءٌ كانَ بالسلاحِ، أو كانَ بالفِكْرِ، او كانَ بالخُلُقِ، ومَعلومٌ الآنَ أنّ أعداء َالمسلمينَ يَغزون المسلمينَ بِكُلِّ سلاحٍ، وينظرونَ السلاحَ المناسبَ للأُمّةِ فَيغزُونَها به ِ، إذا كانَ المناسبُ للأُمّةِ أنْ يَغْزُوهَا بالسلاحِ فعلوا وقاتلوا وهاجموا، وإذا كانَ غير مُمكنٍ نظروا هل يغزونا بالأفكارِ المنحرفةِ الإلحاديّةِ، إنْ أمكنَ ذلكَ فعلوا، وإذا لم يمكن بأنْ كانت الأمّةُ على جانبٍ كبيرٍ مِن الوَعْيِ والتوحيدِ والارتباطِ بالله ? قالوا: إذًا نَغزُوا بطريقٍ ثالثٍ: وهو الخُلُقُ، فسلّطُوا عليها كُلَّ ما يُفسدُ أخلاقها مِن المجلاّتِ والإذاعاتِ وغير ذلكَ،ولهذا الآن انظر ماذا فعلوا بالناسِ بواسطةِ المحطّاتِ الأفقيّةِ التي تُلْتَقَطُ عن طريقِ الدُّشُوشِ، ولا شكَّ –كما سمعنا – أنّ فيها شَرًّا عظيمًا، وهم يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة؛ لأنّهم يعلمونَ أنّها لو كانت مُفسدةً مائةً في المائةِ ما قَبِلَهَا الناسُ إلاّ مَن أزاغَ الله قلبهُ – والعياذُ بالله -، لكن يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة مِن أجلِ أنْ يضعوا الحبَّ للصيدِ، فهذا غَزْوٌ خُلُقِيٌّ، ورُبّما يكونُ فيهِ غَزْوٌ فِكْرِيٌّ، وأنا أسمعُ أحيانًا إذاعةً صافيةً مِن أحسنِ ما يكون مِن إذاعاتِ العالمِ (22) وتبثُّ التَّنْصِيرَ – الدعوة إلى النصرانيّة – ". (23)

سابعًا: بيان بعضِ أسبابِ تَخَلُّفِ المسلمينَ وعدم انتصارهم على أعدائهم

عند تفسيره لقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} (البقرة: من الآية61)

ذكرَ مِن فوائدها:" أنّ بني إسرائيلَ لا يقومونَ للمسلمينَ لو حَاربُوهم مِن قِبَلِ الإسلامِ؛ لأنّ ضَرْبَ الذِّلَةِ بسببِ المعصيةِ؛ فإذا حُورِبُوا بالطاعةِ والإسلامِ فلا شَكَّ أنّه سيكونُ الوَبَالُ عليهم؛ وقد قالَ الله تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} (الحشر: من الآية14)؛وما يُشَاهد اليومَ مِن مُقاتلةِ اليهودِ للعَرَبِ فإنما ذلكَ لسببين:

الأول: قِلَّةُ الإخلاصِ لله تعالى؛ فإنّ كثيراً مِن الذينَ يُقاتِلُونَ اليهودَ - أو أكثرهم - لا يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ الإسلامِ، وأنْ تكونَ كلمةُ الله هي العليا؛وإنّما يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ العروبةِ؛ فهو قِتالٌ عَصَبِيٌّ قَبَليٌّ؛ ولذلكَ لم يُفلحِ العَرَبُ في مُواجهةِ اليهودِ.

والسببُ الثاني: كَثْرَةُ المعاصي مِن كَبيرةٍ، وصَغيرةٍ؛ حتّى إنّ بعضها لَيُؤَدِّي إلى الكُفْرِ؛ وقد حَصَلَ للمسلمينَ في أُحُدٍ ما حَصَلَ بمعصيةٍ واحدةٍ مَعْ مَا انْضَمَّ إليها مِن التنازعِ والفشلِ كما قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (آل عمران: من الآية152) ". (24)

ومِمّا تقدّمَ يتبينُ حِرْصُ الشيخِ رحمه الله على رَبْطِ الآياتِ بواقع الناس، وتنْزيلها عليه وهذه كما أسلفتُ مِن مُمَيِّزاتِ تفسيرهِ التي تَمَيَّزَ بها.


حاشية
(1) تفسير سورة البقرة (3/ 32).
(2) تفسير سورة البقرة (3/ 80).
(3) تفسير سورة المائدة صـ (123).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير