تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والركيزة الثامنة للتسامح الإسلامي هي: الدعوة إلى حوار المخالفين بالحسنى، وذلك في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل:125)، فالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة – غالبا- مع الموافقين، والجدال بالتي هي أحسن – غالبا - مع المخالفين. فالمسلمون مأمورون من ربهم أن يجادلوا مخالفهم، بالطريقة التي هي أحسن الطرق، أمثلها وأقرب إلى القبول من المخالف.

والجدال بالتي هي أحسن، هو: الحوار الذي ندعو إليه مع المخالفين لنا، وهو الذي لا يسعى إلى إيغار الصدور، أو المباعدة بين القلوب، وإثارة ما يشعل الفتنة، أو يورث الضغينة، بل يعمل على تقريب القلوب بعضها من بعض، كما قال تعالى في مجادلة أهل الكتاب: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت:46). فالآية تركز على الجوامع المشتركة التي يؤمن بها الفريقان، لا على نقاط التمايز والاختلاف، وهذا من أصول الحوار بالحسنى. وبهذا يرى الإسلام ضرورة الحوار بين المتخالفين، ولا يرى حتمية الصراع بينهم، كما ادعى الكاتب الاستراتيجي الأمريكي (صمويل هانتجتون).

وقد بدأ الحوار الإسلامي المسيحي منذ حوالي أربعين سنة، ولم يزل مستمرا إلى عهد قريب، وقد شاركت في أكثر من مؤتمر لهذا الحوار، منها: مؤتمر القمة الإسلامية المسيحية في روما (أكتوبر2001) التي دعت إليها جمعية (سانت جديو) وقد شار فيه كبار الكرادلة، وكبار علماء المسلمين. والقمة الإسلامية المسيحية في برشلونة (2003م) ومؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي مع الكنائس الشرقية خاصة في القاهرة. ولكن بعد كلمات بابا الفاتيكان (بندكت السادس عشر) في محاضرته بألمانيا (12سبتمبر 2006) التي أساء إلى الإسلام ونبيه وعقيدته وشريعته وحضارته: توقف الحوار بيننا وبين القوم؛ حتى يظهر موقف آخر يمحو الأذى السابق.

أعلى درجات التسامح عند المسلمين وحدهم

والركيزة التاسعة: أن المسلمين وحدهم هم الذين لهم أعلى درجات التسامح الديني. ذلك أن التسامح الديني والفكري له درجات ومراتب:

فالدرجة الدنيا من التسامح أن تدع لمخالفك حرية دينه وعقيدته، ولا تجبره بالقوة على اعتناق دينك أو مذهبك، بحيث إذا أبى حكمت عليه بالموت أو العذاب أو المصادرة أو النفي أو غير ذلك من ألوان العقوبات والاضطهادات التي يقوم بها المتعصبون ضد مخالفيهم في عقائدهم .. فتدع له حرية الاعتقاد، ولكن لا تمكنه من ممارسة واجباته الدينية التي تفرضها عليه عقيدته، والامتناع مما يعتقد تحريمه عليه.

والدرجة الوسطى من التسامح: أن تدع له حق الاعتقاد بما يراه من ديانة ومذهب ثم لا تضيق عليه بترك أمر يعتقد وجوبه أو فعل أمر يعتقد حرمته. فإذا كان اليهودي يعتقد حرمة العمل يوم السبت فلا يجوز أن يكلف بعمل في هذا اليوم. لأنه لا يفعله إلا وهو يشعر بمخالفة دينه [8]. وإذا كان النصراني يعتقد بوجوب الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد فلا يجوز أن يمنع من ذلك في هذا اليوم.

والدرجة التي تعلو هذه في التسامح: ألا نضيق على المخالفين فيما يعتقدون حله في دينهم أو مذهبهم. وإن كنت تعتقد أنه حرام في دينك أو مذهبك. وهذا ما كان عليه المسلمون مع المخالفين من أهل الذمة. إذ ارتفعوا إلى الدرجة العليا من التسامح. فقد التزموا كل ما يعتقده غير المسلم أنه حلال في دينه، ووسعوا له في ذلك، ولم يضيقوا عليه بالمنع والتحريم. وكان يمكنهم أن يحرموا ذلك مراعاة لشريعة الدولة ودينها ولا يتهموا بكثير من التعصب أو قليل، ذلك لأن الشيء الذي يحله دين من الأديان ليس فرضًا على أتباعه أن يفعلوه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير