وكما قلت لكم المقام لا يسمح، لكن من باب التنبيه إليه، أي قول ورد في التفريق بين
التفسير والتأويل أنه لا يخرج من أحد هذين الأمرين:
إما أن يداخل في أحد هذه الفروق جزء مما قيل.
وإما أن يكون قولاً لا دليل عليه، لا من لغة ولا من شرع ولا من غيره، فيكون قول لا
شك أنه غير معتبر؛ لأنه لابد من أن يكون القول إما أن يدل عليه الشرع، وإما أن تدل
عليه اللغة في مثل هذه الأمور. أما إذا كان مجرد مصطلح خاص فلا يجوز تحكيمه على
الشرع.
يعني نحن نصطلح على سبيل المثال: أن نقول ترى التأويل -فيما بيننا نحن- هو معنى كذا
وكذا، هذا صار اصطلاح خاص، لا علاقة له لا باللغة ولا بالشرع، لكن هذه المصطلحات
الخاصة لا يجوز تحكيمها على الشرع، يعني ما نأتي لمصطلحاتنا هذه وإذا جاءنا شيء في
الشرع نقول: إن التأويل الذي ورد في سورة يوسف هو التأويل الذي اصطلحنا عليه، لا شك
أنه يقع خلل في فهم معاني كلام الله، وهذا الإشكال الذي وقع في مدلول التأويل عند
بعض المتأخرين.
نأتي الآن إلى التفسير اصطلاحاً:
ما هو التفسير اصطلاحاً؟ نحن الآن أخذنا في المعنى اللغوي أن التفسير ما هو؟ كشف و
إيضاح وبيان، المفسر هنا ما هو؟ القرآن، طيب بما أن المفسر القرآن فماذا نريد إذا
قلنا تفسير القرآن؟
المقصود به: بيان معاني القرآن.
نعم، هذا هو التعريف المختصر لمصطلح التفسير، وإلا لو رجعنا إلى تعريفات العلماء قد
نجد ما هو أطول من هذا، لكن هذا هو التعريف الذي يمكن أن يصدق عليه هذا المصطلح،
لماذا؟ لأننا سنأتي بعد قليل حينما نأخذ معلومات كتب التفسير سيتبين لنا صحة هذا
التعريف؛ لأنه ما المراد من المفسر من حيث هو مفسر لا من حيث هو مستنبط ومبين لجمل
ما في القرآن من علوم؟ نريد مفسر يبين لنا المعنى، فأنا حينما أسأل عن قوله -سبحانه
وتعالى-: ? أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ? ما معنى هذا
الكلام؟ إذا قال معناه كذا، كذا، كذا تبين التفسير وانتهى. لكن إذا قال: ? هَارٍ ?
فيها قراءتان إذا وقفت يكون فيها إمالة، وكذا هذا دخلت فيه علم القراءات، وعلم
القراءات موجود في كتب التفسير، فهل نعد هذا من تفسير أو لا؟ سيأتي بعد قليل إيضاح
هذا.
لكن المقصد من ذلك أننا الآن نحدد مصطلحات، فما هو المصطلح الذي يصدق على تفسير
القرآن؟ هو أنه بيان معاني القرآن، أو الكشف عن معاني القرآن، أو إيضاح معاني
القرآن، لكن لو تأملت في استخدامات العلماء، ما تجد أن أحداً منهم -يقل جدا-ً يقول
شرح القرآن، لكنه لما يأتي إلى السنة النبوية ماذا نقول نحن؟
شرح.
أي نعم، شروح الحديث، كتب شروح الحديث، إذن كأنه صار أشبه بماذا؟ بالمصطلحات التي
تخصص، وإلا نحن في الحقيقة نشرح، هو شرح هنا وهنا، لكن كثر إطلاق مادة التفسير على
القرآن، وإطلاق الشرح على ماذا؟ على السنة النبوية وكذلك على شروح الأشعار أيضاً،
فصارت هناك مصطلح الشرح، لذلك تجد من يستخدم كلمة التفسير في شروح الأشعار أيضاً،
فإذا تأملنا سنجد أن لفظ التفسير كأنها صارت أشبه بالعلم الأغلب على تفسير القرآن.
نأتي الآن إلى التفسير، الآن نريد أن ندخل في هذا الموضوع الذي هو موضوع التفسير
لنبينه لأن عندنا الآن أصول التفسير فنحتاج أن نستطرد في المراد بالتفسير وما في
كتب التفسير لكي نصحح ما ذكرناه قبل قليل من أن التفسير هو بيان المعاني، وكذلك
لننبه على أننا حينما نناقش أصول التفسير فإن الأصل أن نناقش ما يتعلق ببيان
المعاني، كأننا نقول: أصول بيان معاني القرآن، التي هي أصول التفسير، يبقى أصول
بيان معاني القرآن.
أما ما يخرج عن هذا فإنه سيكون من علوم أخرى كما سيتضح بعد قليل.
يرد عندنا الآن سؤال: هل كل المعلومات الواردة في كتب التفسير تعد من صلب التفسير
ومن التفسير؟ هذا سؤال. إذا نظرنا الآن إلى كتب التفسير نجد مثلاً كتاب فيه عشرين
مجلد، وكتاب في مجلد واحد، وهذا فسر جميع القرآن، وهذا فسر جميع القرآن. فهل اختلفت
المادة التفسيرية عند صاحب المجلد عنها عند صاحب العشرين مجلد؟ ماذا دخل من العلوم
عند صاحب العشرين مجلد؟ ولا نجدها عند صاحب المجلد؟ لأننا نقول مثلاً تفسير مثلاً
"تفسير الجلالين"، نعده تفسيراً، "الوجيز" للواحدي في مجلد ونعده تفسيراً، ثم نأتي
¥