تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

8 - ويوضح أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات، ويشرع هذا المبدأ، و أنه لا تعارض بين آيات الذكر الحكيم، ففي تفسيره للآية {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة} (3): «والعدل المطلوب هو العدل في المعاملة، والنفقة، والمعاشرة، والمباشرة، أما العدل في مشاعر القلوب، وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بني إسرائيل، لأنه خارج عن إرادة الإنسان وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية الأخرى في هذه السورة {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالملعقة} (4) هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلا على تحريم التعدد والأمر ليس كذلك، وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الامر في آية وتحرمه في آية بهذه الصورة، التي تعطي باليمين، وتسلب بالشمال، فالعدل المطلوب في الآية الأولى، والذي يتعين عدم التعدد إذا خيق ألا يتحقق هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدا الزوجات شيء منها» (5).

9 - وفي معرض تفسيره لقوله تعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم، فإن شهدوا، فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآدوهما، فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما، إن الله كان توابا رحيما} (1)، يورد آيات اخرى من سورة "المؤمنون" وسورة "الإسراء" تضمنت نهيا عن الزنا من غير أن تسن عقوبات زاجرة ورادعة لمرتكبيه. ويستخلص من ذلك أن الإسلام دين واقعي، يقيم نظامه على أساس العقيدة، ويقيم دينه على أساس السلطة والتشريع حيث «تبدو في هذه الأحكام عناية المنهج الإسلامي بتطهير المجتمع المسلم من الفاحشة. ولقد جاءت هذه العناية مبكرة: فالإسلام لم ينتظر حتى تكون له دولة في المدينة، وسلطة تقوم على شريعة الله، وتتولاها بالتنفيذ، فقد ورد النهي عن الزنا في سورة "الإسراء" المكية: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} (2)، كما ورد في سورة "المؤمنون": {قد أفلح المؤمنون الذين هو في صلاتهم خاشعون والذين هو لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (3). وكرر هذا القول في سورة "المعارج" (4)، ولكن الإسلام لم تكن له في مكة دولة، ولم تكن له فيها سلطة، فلم يسن العقوبات لهذه الجريمة التي نهى عنها في مكة إلا حين استقامت له الدولة والسلطة في المدينة، ولم يعتبر النواهي والتوجيهات وحدها كافية لمكافحة الجريمة، وصيانة المجتمع من التلوث، لأن الإسلام دين واقعي يدرك أن النواهي والتوجيهات وحدها لا تكفي، ويدرك أن الدين لا يقوم بدون دولة، وبدون سلطة، وأن الدين هو المنهج أو النظام الذي تقوم عليه حياة الناس وبلا تشريع، وبلا منهج محدد، ودستور معلوم» (1).

10 - ويفسر سيد قطب الآية الكريمة {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم} (2) في ضوء قوله تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (3) فيبين أن الحاكمية لله -تعالى- وحده، وألا شرعية لأي وضع أو عرف لا يستمد سلطانه من الله، فعندما «يحيل الفقه الإسلامي على "العرف" في بعض المسائل فهو يمنح العرف ابتداء سلطانا من عنده هو - بأمر الله- فتصبح للعرف - في هذه المسائل- قوة الشريعة استمدادا من سلطان الشارع -وهو الله- لا استمدادا من الناس، ومن البيئة التي تواضعت على هذا العرف من قبل، فليس تواضع البيئة على هذا العرف هو الذي يمنحه السلطان: كلا إنما الذي يمنحه السلطان هو اعتبار الشارع إياه مصدرا، في بعض المسائل وإلا بقي على بطلانه الأصلي، لأنه لم يستمد من أمر الله، وهو وحده مصدر السلطان، وهو يقول عما كانت الجاهلية تشرعه ما لم يأذن به الله: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (1)، فيشير إلى ان الله وحده هو الذي يشرع، فهل لهم آلهة شرعت ما لم يأذن به الله؟ هذا الأصل الكبير الذي تشير إليه هذه اللمسة: {كتاب الله عليكم} (2) تقرره وتؤكده النصوص القرآنية في كل مناسبات التشريع. فما من مرة ذكر القرآن تشريعا إلا أشار إلى المصدر الذي يجعل لهذا التشريع سلطانا، اما حين يشير إلى شرائع الجاهلية وعرفها وتصوراتها فهو يردفها غالبا بقوله {ما أنزل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير