تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعتبر التخييل الحسي والتجسيم عند سيد قطب من القواعد الأساسية التي يقوم عليها التصوير الفني في القرآن الكريم، ويعرف التخييل الحسي في كتابه: "التصوير الفني في القرآن" الكريم بقوله: «قليل من صور القرآن هو الذي يعرض صامتا ساكنا لغرض فني يقتضى الصمت والسكون أما أغلب الصور ففيه حركة مضمرة أو ظاهرة، حركة يرتفع بها نبض الحياة وتعلو بها حرارتها. وهذه الحركة ليست مقصورة على مشاهد القصص والحوادث، ولا على مشاهد القيامة، ولا صور النعيم والعذاب، او صور البرهنة والجدل، بل إنها لتلحظ كذلك في مواضع أخرى لا ينتظر أن تلحظ فيها. ويجب أن ننبه إلى نوع هذه الحركة فهي حركة حية مما تنبض به الحياة الظاهرة للعيان، أو الحياة المضمرة في الوجدان، هذه الحركة هي التي نسميها التخييل الحسي، وهي التي يسير عليها التصوير في القرآن لبث الحياة في شتى الصور، مع اختلاف الشيات والألوان» (1).

أما التجسيم فهو عنده: «تجسيم المعنويات المجردة وإبرازها أجساما، أو محسوسات على العموم، وإنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد حتى ليعبر به في مواضع حساسة جد الحساسية، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كل التجريد كالذات الإلهية وصفاتها. ولهذا دلالته الحاسمة أكثر من كل دلالة أخرى على أن طريقة "التجسيم" هي الأسلوب المفضل في تصوير القرآن مع الاحتراس والتنبيه إلى خطورة التجسيم في الأوهام» التصوير الفني في القرآن: ص 72.

والآن لنأخذ في ضرب بعض الأمثلة من "الظلال":

أ- جاء في تفسيره للآية الكريمة {) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} سورة الفرقان: آية 23: «الخيال يتبع حركة القدوم المجسمة المتخيلة على طريقة القرآن في التجسيم والتخييل وعملية الإثارة للأعمال والتذرية في الهواء فإذا كل ما عملوا في الدنيا من عمل صالح هباء، ذلك أنه لم يقم على الإيمان الذي يصل القلب بالله، والذي يجعل العمل الصالح منهجا مرسوما وأصلا قاصدا لا خبط عشواء، ولا نزوة طارئة، ولا حركة مبتورة لا قصد لها ولا غاية. فلا قيمة لعمل مفرد لا يتصل بمنهج، ولا فائدة في حركة مفردة ليست حلقة من سلسلة ذات هدف معلوم» في ظلال القرآن: مج5، ص 6558/ 6559، ويراجع أيضا ص 3272.

ب- ومثال آخر من تفسيره للسورة نفسها: «ثم يعرض مشهدا من مشاهد ذلك اليوم يصور ندم الظالمين الضالين، يعرضه عرضا طويلا مديدا يخيل للسامع أنه لن ينتهي ولن يبرح، مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف والأسى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} (سورة الفرقان، من الآية 27 إلى الآية 29)، ويصمت كل شيء من حوله ويروح يمد في صوته المتحسر ونبراته الأسيفة. والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولا، ويزيد أثره عمقا حتى ليكاد القارئ للآيات والسامع يشاركان في الندم والأسف والأسى .. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها إنما هو يداول بين هذه وتلك، أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين، وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيما» في ظلال القرآن: مج 5، ص 2560.

ج- ومن ألوان التخييل "التشخيص"، ويقصد به «خلع الحياة على المواد الجامدة والظواهر الطبيعية والإنفعالات الوجدانية» التصوير الفني في القرآن، ص 73. ومن أمثلته ما جاء في تفسيره لقوله تعالى {) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} سورة الأعراف، آية 54: «ولا ينسينا الهدف العظيم الذي يستهدفه السياق القرآني بهذا الاستعراض أن نقف لحظات أمام روعة المشاهد وحيويتها وحركتها وإيحاءاتها العجيبة، فهي من هذه الوجهة كفء للهدف العظيم الذي تتوخاه. إن دورة التصور والشعور مع دورة الليل والنهار في هذا الفلك الدوار،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير