تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسؤال هنا: ما هي العوامل الكامنة وراء ذلك؟! ولعل في النقاط التالي معالم لهذه الإجابة:

1. عدم وضوح الرؤية: فقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة تعالي القرآن عن الإدراك البشري؛ فهو كتاب الله، وهل نستطيع أن نصل إلى تلك القمة السامقة؟!

2. عدم الاستعداد النفسي للتعمق الفكري: فغدا البحث -بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة- (وجبات سريعة) بعيداً عن الدراسة المعمقة.

3. ابتعاد الجيل المعاصر عن اللغة العربية: وقد ساهم هذا العامل في عدم فهم هذا الجيل لكثير من آيات القرآن الكريم؛ لأنه لم يعرف المدلول الحقيقي لكلماتها وجملها؛ مما جعله يجهل معنى الآيات التي تضمنت تلك الكلمات والجمل.

وعندما نلقي نظرة سريعة على آيات القرآن الكريم نجد فيها دعوة صريحة لتدبره؛ ففي البداية يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو أن نتدبره. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]. وقال سبحانه: {أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82].

وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرآن كتاباً ميسراً للفهم. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر} [القمر:17].

ثم يؤكد القرآن أن هناك (أقفالاً) تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. إنها أقفال الجهل والهوى وعدم القيام بواجب التدبر.

وعلينا أن نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله بالتدبر في آيات كتابه المسطور وآيات كونه المنظور.

لهذا كله اخترت الكتابة في موضوع يحتاج من الباحث فيه إلى عمق النظرة، ودقة الملاحظة؛ لإثبات تميز القرآن عن كلام البشر، وأنه ما من لفظ فيه يمكن أن يقوم غيره مقامه، فكان موضوع بحثي الذي أقدمه لاستكمال متطلبات النجاح في مادة (دراسات متقدمة في إعجاز القرآن) عن (الخوف والخشية والفرق بينهما في المدلول القرآني).

ولا أدعي في هذه المحاولة أنني ابتكرت أو جئت بجديد؛ ذلك أن قصارى ما قمت به هو محاولة فهم كلام العلماء، وعرضه بشكل أرجو أن أكون قد وُفقت فيه.

وفي الختام أحمد الله عز وجل على نعمة المتوالية العظيمة، وأشكره سبحانه على تيسيره وتوفيقه، فله الحمد في الآخرة والأولى، ثم أقدم شكري وتقديري إلى فضيلة الأستاذ الدكتور شحادة العمري -وفقه الله لما يحب ويرضى- الذي أكرمني بإشرافه وتوجيهه لهذا البحث. اللهم بارك له في عمره وماله علمه وعمله، واكتب له التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.

اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لك وحدك، لا حظ فيه لسواك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

تمهيد

الكلمة القرآنية

يتكون القرآن الكريم من كلمات، تماماً كما يتكون البناء من لبنات، ولذلك فمن الطبيعي أن تكون الخطوة الأولى لفهم القرآن هي التدبر في كلماته.

ورغم أن اللغة العربية أجمل اللغات وأشملها وأدقها في أنها تعطي لكل حقيقة لفظاً قريباً يتناسب معها تماماً، فإن كثيراً من الكلمات العربية اكتنفها الغموض؛ مما أفقد اللفظ إيحاءه وظلاله؛ فلم نعد نملك رهافة الحس لنعرف الفرق بين كثير من الألفاظ المتقاربة في المعنى.

ويعود ذلك إلى:

أولاً: كثرة استعمال الألفاظ في غير معانيها الأدبية: فحينما يستعمل العربي كلمة (قرب) في المجال المحدد لـ (اقترب) أو حتى (سار) في موضع (سارب)؛ تختلط ظلال الكلمتين مع بعضهما وتضيع الإيحاءات الخاصة.

ثانياً: تعلق أذهاننا بمعاني جامدة ومحددة، وفقدنا الشعور بمحور شعاع الكلمة: فنحن حينما نستعمل كلمة (جن) يتبادر إلى أذهاننا المخلوق الغريب دون أن نفكر بارتباط كلمة (ج ن ن) مع هذا المخلوق. ونستعمل كلمة (جنين) دون أن نعرف أن هناك علاقة تتناسب بين معنى الولد في بطن أمه (جنين) ومعنى المخلوق الغريب (جن)، وهي أن كليهما مستور عن أعين الناس.

وهكذا تتداخل إيحاءات اللفظ العربي ببعضه، ونفقد بذلك فهم أهم سمة من سمات اللغة العربية، التي لو فهمناها يسهل علينا فهم القرآن كثيراً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير