يقول أصحابه: بأن الشارع حكيم، ومن العبث أن يأتي الترادف إلا ولكل كلمة دلالة، فإذا سلمنا بتلك الدلالات المتعددة فلا ترادف بل إن أبا هلال العسكري قد أنكر حتى المشترك اللفظي، وأن يكون فعل، وأفعل بمعنى واحد، بل إن أصحاب هذا الرأي ومنهم أبو هلال العسكري يقولون بعدم تعاقب حروف الجر، وعللوا ذلك بأنه يوقع في الإشكال واللبس على المخاطب، وليس من الحكمة، وضع الأدلة المشكلة .. وقال المحققون، لا يجوز أن تختلف الحركتان في الكلمتين ومعناهما واحد، ثم يقول: وإذا كان اختلاف الحركات يوجب اختلاف المعاني، فاختلاف المعاني أنفسها أولى أن يكون كذلك، ولهذا المعنى قال المحققون من أهل العربية: إن حروف الجر لا تتعاقب.
ثم ينقل كلام ابن درستويه في جواز تعاقب حروف الجر إبطال لحقيقة اللغة، وإفساد الحكمة فيها، والقول بخلاف ما يوجبه العقل والقياس.
ويسحب أبو هلال العسكري المبرّدَ إلى القائلين بإنكار الترادف وينقل عنه قوله: "قولنا اللب، وإن كان هو العقل فإنه يفيد خلاف ما يفيده العقل، وكذلك المؤمن، ومستحق الثواب، لكل منهما معنى زائدة".
ويفرق المبرّد بين قولي: (أبصرته)، و (بصرت به) على اجتماعهما في فائدة شبه متساوية إلاّ أن (أبصرت به) معناه: أنك صرت به بصيرا بموضعه، وفعلت أي انتقلت إلى هذه الحال، وأما (أبصرته) فقد يجوز أن يكون مرة وأن يكون لأكثر من ذلك، وكذلك أدخلته ودخلت به، فإذا قلت أدخلته جاز أن تدخله وأنت معه، وجاز ألا تكون معه، ودخلت به إخبار بأن الدخول لك وهو معك، وبسببك.
وممن أنكر الترادف ابن فارس (ت395هـ) وقد بسط رأيه الذي لا يبعد في استدلاله عن آراء ابن درستويه ومعاصره أبي هلال العسكري، وهو رأي لابن الأنباري الذي يقول: "يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت بذلك لجذب الناس إليها". ثم يقول بعد كلام طويل عن علة بعض التسميات لبعض البلدان: "فإن قال رجل: لأي علة سمى الرجل رجلا، والمرأة امرأة قلنا: لعلة علمتها العرب، وجهلناها، فلم تزل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة وصعوبة الاستخراج علينا".
ويعلل قطرب تكرار العرب للفظتين على المعنى الواحد بعلة أن ذلك يدل على اتساعهم في كلامهم كما زاحفوا في أجزاء الشعر، ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم.
وباستعراض الآراء السابقة نجد أن أصحابها ينكرون وجود الترادف، ويمكن أن نستنبط عللهم ونجملها في النقاط التالية:
1. إن الشارع حكيم، وإذا سلمنا بالترادف، وقعنا في عبثية لفظية، ينزه الشارع عنها، ورأيهم هذا ينطلق من قولهم بتوقيفية اللغة كما أسلفنا.
2. إن لكل كلمة دلالة تدور في محيطها، وما لم نعلم علته، فهو معلوم في العربية، وإن جهلناه.
3. إذا قلنا بإنكار الترادف، فهذا يدفعنا إلى بحث العلل وفي هذا ما يدل على سعة الكلام عند العرب.
ثانياً: إثبات الترادف:
أما الرأي الآخر فيثبت الترادف، ويرى أن هناك كلمات مترادفة، تؤدي معنىً واحداً تاماً، لم تأت في العربية عبثاً، وإنما جاءت لأغراض ومقاصد، ويستدلون على صواب رأيهم بأدلة عقلية.
وحديثهم في إثبات الترادف قائم من منطلق أن اللغة اصطلاحية حتى صرح بذلك السيوطي في المزهر بقوله: "وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية". ولعل من أبرز القائلين به الآمدي صاحب الإحكام في أصول الأحكام إذ نص على ذلك، واتهم أصحاب الرأي السابق وسرد أدلة عقلية على وقوعه ((ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة، وجوابه أن يقال: لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي، فإنه لا يمتنع أن يقع أحد اللفظين على مسمى واحد ثم يتفق الكل عليه، وأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمىً، وتضع الأخرى له اسماً آخر، من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ثم يشيع الوضعان بعد ذلك. ثم يُدلل الآمدي على إمكانية وقوع ذلك بقوله: "ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة ما نقل عن العرب من قولهم: الصهلب والشوذب من أسماء الطويل. والبهتر والبحتر من أسماء القصير".
¥