ويؤيد هذا الرأي القائل بالترادف مجموعة من علماء اللغة لعل من أبرزهم ابن خالويه، وهو الذي أثبت للسيف أسماءً كثيرة مترادفة ومنهم أبو بكر الزبيدي والرماني، وابن جني، وقد أفرد له باباً في خصائصه ومنهم الباقلاني، وابن سيده والفيروز آبادي الذي ذكرت سالفاً أنه أثبت للعسل ثمانين اسماً.
والسيوطي ممن يثبتون وجود الترادف في اللغة، ويعلل ذلك، ذاكراً فوائد الترادف: وأبرز علله ما يأتي:
1. أن تكثر الوسائل، والطرق، إلى الإخبار عما في النفس، فربما نسى أحد اللفظين، أو عام عليه النطق به، وقد كان بعض الأذكياء ـ ويقصد به واصل ابن عطاء (13) ألثغ، فلم يحفظ عنه أنه نطق بحرف الراء، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك.
2. التوسع في سلوك طرق الفصاحة، لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع، والقافية والتجنيس.
3. قد يكون أحد المترادفين أجلى في تعبيره من الآخر، وقد ينعكس الحال بالنسبة لقوم آخرين.
4. وقد أثبت السيوطي المترادف بنماذج لمن استقصوا أو حاولوا استقصاء أسماء العسل، والسيف، وكأنه بذكره لهذه الأسماء، يرى أن القائلين بإنكار الترادف يتمحلون في وضع العلل.
لا ترادف في القرآن:
إذا كان بعض العلماء يعد الترادف من خصائص اللغة ومفاخرها، فإن كثيرين -كما رأينا- وقفوا من الترادف موقف السلبية والإنكار.
ولا يعنينا تفصيل هذه القضية هنا، والذي نطمئن إليه، واطمأن إليه كثيرون قبلنا أن لا ترادف في كتاب الله، والكلمات التي ظنها بعض الناس مترادفة عندما ننعم النظر فيها نجد أن لكلٍ معناها الدقيق.
وفي هذا البحث محاولة لإثبات ما ذهبنا إليه بمثال تطبيقي واحد وهو كلمتي: (الخوف) و (الخشية) والفرق بينهما.
الفصل الثاني
الخوف ولخشية في القرآن
المبحث الأول: تأملات في آيات الخوف والخشية:
المطلب الأول: ورودهما في القرآن:
ذَكَرَ الله تعالى الخوف -بمختلف تصريفاته- في القرآن (124) مرة -بحسب "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم"، أما الخشية فقد تكرر ورودها في (48) موضع. وكل موضع يوضح بجلاء أهمية الخوف والخشية وضرورة استشعارهما في قلب المؤمن.
فنجد وعْدَ من خاف بالجنة: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن:46]، ووعده بالتمكين في الأرض: {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم:14]، ووعده بالانتفاع بالآيات: {إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة} [هود:103].
ونجد رضا الله عمن خشيه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8]، وتارة يحصر خشيته في العلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، ونجده سبحانه يحصر إنذار رسوله لمن يخشاه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:11]. ونجد وعده لهم بالمغفرة والأجر الكبير: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12].
المطلب الثاني: من هم المتصفون بهاتين الصفتين:
أولاً: الأنبياء:
يقول تعالى واصفاً الأنبياء بأنهم يخشونه ولا يخشون أحداً غيره: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39].
ويقول تعالى مخاطباً النبي r: { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15].
ثانياً: الملائكة:
قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد:13].
وقال سبحانه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50].
وقال عز وجل: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28].
ثالثاً: العلماء:
قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
رابعاً: المؤمنون المتقون:
قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 48 - 49].
¥