وقال سبحانه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37].
خامساً: أولو الألباب:
قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 19 - 21].
المبحث الثاني: الفروق اللغوية بين الخوف والخشية:
المطلب الأول: من أقوال العلماء في الفرق بين الخوف والخشية:
ذكر العسكري أن "الخوف يتعلق بالمكروه وبترك المكروه تقول خفت زيدا كما قال تعالى {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل:50]. وتقول خفت المرض كما قال سبحانه: {ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]. والخشية تتعلق بمنزل المكروه. ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ولهذا قال: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]. فإن قيل أليس قد قال: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} [طه:94] قلنا إنه خشي القول المؤدي إلى الفرقة والمؤدي إلى الشيء بمنزلة من يفعله. وقال بعض العلماء: يقال خشيت زيدا ولا يقال خشيت ذهاب زيد. فإن قيل ذلك فليس على الأصل ولكن على وضع الخشية مكان الخوف، وقد يوضع الشيء مكان الشيء إذا قرب منه.
وذكر المحقق الطوسي في بعض مؤلفاته ما حاصله: أن الخوف والخشية وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله وخشيته وفي عرف أرباب القلوب فرقا وهو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات، والتقصير في الطاعات. وهو يحصل لأكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل.
والخشية: حالة تحصل عند الشعور بعظمة الخالق وهيبته وخوف الحجب عنه، وهذه حالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء وذاق لذة القرب، ولذا قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28]. فالخشية: خوف خاص، وقد يطلقون عليها الخوف. انتهى كلامه.
قلت: ويؤيد هذا الفرق أيضا قوله تعالى يصف المؤمنين: {ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد:21]؛ حيث ذكر الخشية في جانبه سبحانه والخوف في جانب الحساب.
هذا وقد يراد بالخشية: الإكرام والإعظام، وعليه حمل قراءة من قرأ: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" برفع (الله) ونصب العلماء".
وقال الراغب: "الخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة، ويضاد الخوف: الأمن ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية. قال تعالى: (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وقال: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله). وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا) وقال: (وإن خفتم ألا تقسطوا)، وقوله (وإن خفتم شقاق بينهما) فقد فسر ذلك بـ (عرفتم)، وحقيقته وإن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم.
والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات، ولذلك قيل لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركاً.
والتخويف من الله تعالى هو الحث على التحرز وعلى ذلك قوله تعالى: (ذلك يخوف الله به عباده) ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة بتخويفه فقال: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) أي فلا تأتمروا لشيطان وائتمروا لله ويقال تخوفناهم أي تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه.
وقوله تعالى (وإني خفت الموالى من ورائي) فخوفه منهم أن لا يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدين، لا أن يرثوا ماله كما ظنه بعض الجهلة فالقنيات الدنيوية أخس عند الأنبياء عليهم السلام من أن يشفقوا عليها.
¥