تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والخيفة الحالة التى عليها الانسان من الخوف، قال تعالى: (فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف) واستعمل استعمال الخوف في قوله: (والملائكة من خيفته) وقوله: (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) أي كخوفكم وتخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم، والتخوف ظهور الخوف من الانسان، قال: (أو يأخذهم على تخوف) ".

وفي بيان معنى الخشية قال الراغب: "الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وقال: (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى - من خشى الرحمن - فخشينا أن يرهقهما - فلا تخشوهم واخشوني - يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) وقال: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله - وليخش الذين) الآية، أي ليستشعروا خوفا من معرته، وقال تعالى: (خشية إملاق) أي لا تقتلوهم معتدين لمخافة أن يلحقهم إملاق (لمن خشى الرحمن بالغيب) أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه".

ووضح ابن القيم الفرق بين الخوف والخشية بقوله: "والخشية أخص من الخوف؛ فإن الخشية للعلماء بالله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28). فهي خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي ?: "إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية" ()، فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان: إحداهما: حركة للهرب منه، وهي حالة الخوف. والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه، وهي الخشية ... فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية ().

وقال السفاريني: "قال الإمام المحقق في شرح منازل السائرين: الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة. قال أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس. وقيل الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف. وقيل الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام. قال ابن القيم: هذا سبب الخوف لا نفسه. وقيل الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره. وفي متن منازل السائرين: الخوف الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الجزاء. قال المحقق: والخشية أخص من الخوف فإنها للعلماء بالله. قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}. فهي خوف مقرون بمعرفة. انتهى.

فالخوف سوط يسوق المتمادي, ويقوم الأعوج, ويلين القاسي، ويطوع المستصعب. وليس هو مقصوداً لذاته بخلاف الرجاء, فمن ثم ينبغي أن يرجح على الخوف".

وتقول بنت الشاطئ: نلاحظ أن الخشية في البيان القرآني تفترق عن الخوف، بأنها تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه، وأما الخوف فيجوز أن يحدث عن تسلط بالقهر.

والخشية يجب ان لا تكون إلا لله وحده، دون أي مخلوق، يطرد ذلك في كل مواضع استعمالها في الكتاب المحكم بصريح الآيات.

وتسند خشية الله في القرآن الكريم إلى الذين يبلغون رسالات ربهم، ومن اتبع الذكر، والمؤمنين، والعلماء، والذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

وفي بحثه "المفردات القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز" يقول الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس: "جاء فيما كتبه السيوطي رحمه الله ألفاظ يُظن بها الترادف، وليست منه، من ذلك الخوف والخشية، لا يكاد اللغوي يفرق بينهما، ولا شك أن الخشية أعلى منه، وهي أشد من الخوف؛ فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية، أي يابسة. وهو فوات بالكلية، والخوف من قولهم: ناقة خوفاء، أي بها داء وهو نقص، وليست بفوات، ولذلك خصّت الخشية بالله في قوله: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}.

وفرق بينهما أيضاً أن الخشية تكون من عظم المختشى، وإن كان الخاشي قوياً، والخوف يكون من ضعف الخائف، وإن كان المخوف أمراً يسيراً، ويدل على ذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة، نحو: شيخ، للسيد الكبير، وخيش لما غلظ من اللباس، ولذا وردت الخشية غالباً في حق الله، من خشية الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، وأما {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}، ففيه نكتة لطيفة، لأنه وصف الملائكة، ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظاً شداداً فهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير