تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما كتب بالحرف النبطي وباللغة العربية أيضاً النقش الشهير من عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة ميلادية والمعروف باسم نقش امرئ القيس ملك العرب، المكتشف في موقع النمارة شرق جبل العرب جنوب سوريا، وهو محفوظ في متحف اللوفر بباريس.

وكذلك نقوش أخرى نرى فيها تحوير الخط الآرامي ليصبح مع الزمن أكثر ربطاً للحروف بعد أن انغلقت فيه بعض الحروف.

وأما نقش أم الجمال الذي اكتشف على بعد خمسة وعشرين كيلو متراً جنوب بصرى الشام، ويعود تاريخ للعام خمسين ومائتين ميلادية، وهو لقبر فهر بن سلم مربي جذيمة ملك تنوخ المعاصر لزينب ملكة تدمر، وقد كتب بالخط النبطي، نلاحظ فيه اندماج الحرف واتصاله، بحيث أصبح قريباً للحرف العربي واتصاله، ولو دققنا النظر في كتابته لوجدناه قريباً كل القرب لخطنا الحالي، ولنعمد إلى دراسة هذا النقش دراسة بليوغرافية فماذا نجد؟

في السطر الأول نقرأ " دنه نفشو فهرو " أي هذه نفس أو هذا قبر، ونلاحظ أن حرف الدال في دنه هو الغريبن ولو قلبناه لاستقامت الكلمة وأصبح الحرف عربياً.

وفي الكلمة الثانية " نفشو " والتي تتألف من مقطعين لو جمعنا المقطع الأول مع المقطع الثاني بتصرف بعد أن ننزل حرف الواو لقرأنا الكلمة بسهولة.

وكذلك كلمة " فهرو " وكلمة " بر " لننزل حرف الراء فإذا هي مستقيمة قوية.

وفي كلمة " سُليم " نلاحظ الوضوح، وكذلك في كلمة " مربي " " بر " و " جذيمة " و" ملك تنوخ " ونستطيع أن نقرأ النص بسهولة ونفهمه " دنه نفشو فهرو برشلي رب جزيمة ملك تنوخ " أي: هذا قبر فهر بن سليم مربي سليمة ملكة نوخ.

لقد تولدت الكتابة ونمت في شمال الجزيرة العربية في بلاد الأنباط، ثم انتقلت واتجهت مع قوافل التجارة إلى الجزيرة العربية إلى مكة والحجاز بعد أن اكتملت خصائصها، واستقرت قواعدها وصادفت استخداماً واسعاً، وحين استخدمها الصحابة -رضوان الله عليهم- استخدموها بمعرفة تامة في تدوين متطلبات الدولة الجديدة وتدوين القرآن، خلافاً لما يقوله ابن خلدون في مقدمته وابن قتيبة من أن الصحابة كانوا أميين لا يكتب منهم الواحد والاثنان، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب بالتهجي، ووصمهم بالجهل في الكتابة.

إن كثرة الكتاب والتخصص في الكتابة ينافي وصم ما حدثنا عنه بعض المؤرخين، كما أن كثرة الكتب والرسائل التي أرسلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- تبين أن الكتابة والقراءة كانت منتشرة في الجزيرة العربية وبين القبائل، وإلا فما جدوى كتابة كتب لأمة لا تقرأ.

وأما الخطأ في الهجاء الذي تحدث عنه ابن قتيبة وابن خلدون فإنه وهم ومردود بما سيتضح لنا من حذق الصحابة في تدوين الظواهر اللغوية التي سجلوها حين كتبوا القرآن العظيم، وهذا يظهر من خلال الرسم العثماني الذي كتب به المصحف الشريف.

إن التأمل في إملاء الأنباط يوضح عن مظاهر لا نعرفها اليوم في كتابتنا العربية، ففيها حروف يعبر رسم الحرف الواحد منها عن عدة أصوات، وفيها كلمات لا يتفق فيها المنطوق مع المكتوب.

ولقد حققت هذه الصورة وهذا الرسم تلك اللهجات والقراءات التي أقرهم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفقاً لما تستطيعه ألسنتهم، ولحكمة أردها الله -سبحانه وتعالى- مثل الكلمات: " الحياة، الصلاة، الزكاة، النجاة، مشكاة، أشياعكم، جنات، العالمين " شاء الله أن يظل الوحي متجاوباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من البعثة حتى الوفاة مدة ثلاث وعشرين سنة يتنزل عليه القرآن خلالها منجماً يعلمه كل يوم جديداً ويرشده ويهديه، ويثبته ويزيده اطمئناناً.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:

بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.

ونزول القرآن منجماً يعني نجوماً، أي خمس آيات خمس آيات لتيسير حفظ على المؤمنين في كل جيل.

لقد اكتمل نزول القرآن الكريم، وتولى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه ترتيب الآيات وتحديد مكانها في كل صورة طبقاً لما أخبر به الوحي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير