ذكر أنه مصحف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأنه كان بين يديه يوم الدار، وكان فيه أثر الدم.
وذكر أنه استخرج من خزائن المقتدر، ودفع المصحف إلى عبد الملك بن شعيب المعروف بابن بنت ولد القاضي، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في جامع عمرو وشهره، وجعل عليه خشبًا منقوشًا، وكان الإمام يقرأ فيه يومًا وفي مصحف أسماء يومًا، وذلك إبان العزيز بالله لخمس خلون من المحرم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
ويعلق المقريزي على ذلك بأن قومًا ينكرون أن يكون المصحف المشار إليه مصحف عثمان -رضي الله عنه- لأن نقله لم يصح ولم يثبت برواية رجل واحد.
ويورد السمهودي خبرًا آخر يقول: إن بالقاهرة مصحفًا عليه أثر لدم عند قوله تعالى: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ? [البقرة: 137]، كما هو بالمصحف الشريف الموجود اليوم بالمدينة.
ويذكرون أنه المصحف العثماني، وكذلك بمكة، والمصحف الإمام الذي قتل عثمان -رضي الله عنه- وهو بين يديه لم يكن إلا واحدًا، والذي يظهر أن بعضهم وضع خلوقا على تلك الآية تشبيهًا بالمصحف الإمام.
ولعل المصحف هذا من المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه.
ظل هذا محفوظًا بمدرسة القاضي الفاضل، وكان بها مكتبة لا نظير لها، ثم تفرقت هذه الكتب وتخربت المدرسة، فنقل السلطان الأشرف "قانسوه الغوري" هذا المصحف إلى القبة التي أنشأها تجاه مدرسته.
وبقي فيها حتى سنة خمس وسبعين ومائتين وألف هجرية، ثم نقل مع آثار نبوية أخرى إلى المسجد الزينبي، ثم إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، وفي سنة أربع وثلاثمائة وألف هجرية نقل إلى ديوان الأوقاف، ومن هناك في العام التالي إلى قصر عابدين، ثم إلى المسجد الحسيني في نفس السنة، وما يزال محفوظًا به حتى يومنا هذا.
وأما المصحفان الثالث والرابع فهما موجدان في استانبول واحد بمتحف الآثار الإسلامية، والآخر في متحف الأمانات المقدسة بـ"طبقابي سراي" وكلاهما مكتوب على الرق بمداد حبر داكن وبمقاس مختلف وأسطر مختلفة.
ونقرأ في مصحف الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ويقال إن دماءه عليه وهو الموجود في "طبقابي":
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ? [النساء: 1 - 4].
إن مصحف الخليفة عثمان هذا المحفوظ بـ"طبقابي سراي" منقوط باللون الأحمر، وفي آخر الآية أحيانًا دائرة تشغلها خطوط هندسية.
وقيل إنه كتب بخط الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلا أن هذه العلامات تؤكد على بطلان القول إنه من المصاحف العثمانية، كما أن فيه رقش ونقط وهذا ما ليس من مزايا المصاحف العثمانية.
* ما قيل عن المصاحف المنسوبة
تذكر بعض المصادر التاريخية أن مصحف الإمام الخاص به كان محفوظًا في جامع قرطبة وأنه ظل محفوظا به حتى سنة اثنتين وخمسين بعد الخمسمائة بعد أن نقله عبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين إلى مراكش وظل بالمغرب حتى عهد بني مرين.
يروي الإدريسي في نزهة المشتاق: إن جامع قرطبة كان يحتفظ في مخزنه الواقع إلى يسار المحراب بمصحف كان يرفعه رجلان لثقله، وهذا المصحف كان يضم أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان الذي خطه بيمينه، وفيه نقط من دمه.
لقد نظم الشعراء قصائد كثيرة منها ما أنشده الوزير يحيى بن محمد بن عبد الملك بن طفيل.
جزى الله عنا للأنام خليفة ... به شربوا ماء الحياة فخلدُو
بمصحف عثمان الشهيد وجمعه ... تبين أن الحق بالحق يعضدُ
¥