وفي سورة البقرة نشاهد النقط الذي هو الشكل، وهو نقط أبو الأسود الدؤلي، قال تعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
? ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [البقرة: 1 - 5].
وهكذا حلت مشكلة الإعراب، وصار القارئ في كتاب الله في المصحف الشريف في مأمن من الوقوع في لحن أو خطأ يشوه المعنى القرآني.
وظل هذا الأسلوب من الشكل متبعًا حتى أواخر القرن الهجري الأول، بل وحتى نهاية العصر الأموي سنة اثنتين وثلاثين ومائة للهجرة.
لم تبق الحركات من فتحة وخفضة وضمة وتنوين متفردة في القرآن الكريم بمداد أحمر لضبط كلماته، وإنما أضيفت إليها رموز جديدة لتعبر عن المهموز والتشديد والمدود.
واستخدم لها اللون الأخضر والأصفر والبرتقالي واللازورد، كي يدل كل لون على رمز صوتي.
فبينما مثلت النقطة الصفراء الهمزة عند أهل المدينة أصحاب الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة تسع وسبعين بعد المائة من الهجرة وتبعهم في ذلك أهل المغرب والأندلس، كانت النقطة الخضراء والحمراء هي التي تمثل الهمزة عند أهل العراق والشام.
كما استخدموا النقطة الصفراء لتدل على الشدة، واستعمل أهل المدينة والمغرب والأندلس النقطة الخضراء لهمزة الوصل أو الحرف الذي لا يلفظ.
كما قامت طوائف من أهل الكوفة والبصرة فأدخلوا الحروف الشواذ في المصاحف، ونقطوها باللون الأخضر.
وربما جعلوا الخضرة للقراءة المشهورة، وجعل الحمرة للقراءة الشاذة المتروكة، وذلك تخليط وتغيير كما يقول الداني.
لقد بقي المصحف الشريف خلال هذه الفترة مكتوبًا بمداد حبر أسود أو داكن، ولم تمس حروفه ولم يتسرب إليها أي لون، وإنما كانت الإشارات النقاط فوق الحروف، هي التي استخدم المسلمون فيها الألوان.
يقول الداني: "وأكره من ذلك وأقبح منه ما استعمله أناس من القراء وجهلة من النقاط من جمع قراءات شتى وحروف مختلفة في مصحف واحد، وجعلهم لكل قراءة لونًا من الألوان المخالفة للسواد، كالحمرة والخضرة والصفرة واللازوارد، وتنبيههم على ذلك أول المصحف ودلالتهم عليه هناك، لكي تعرف القراءات وتميز الحروف، إن ذلك من أعظم التخليط وأشد التغيير للمرسوم".
لقد لعبت الألوان بصورة نقاط للشكل فوق الحروف دورًا كبيرًا في العناية برسم المصحف على مدى أربعة قرون.
كانت الغاية من ذلك ضبط القراءة حتى لا يخطئ قارئ القرآن في حرف صوتي.
ولقد كان التحفظ الصادق الأصيل في المحافظة على متن القرآن الكريم الذي كان عليه أيام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فلم يمس أحد جسم الحرف المكتوب بمداد أسود على الرق، وما ذلك إلا لقطع السبيل على تحريفه بأية إضافة من الإضافات.
ومع ذلك فإن الجهود تتواصل حثيثة لاتخاذ التدابير التي تمنع التصحيف أو التحريف أو اللحن فيه.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:44 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (3)
? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [سورة الحجر الآية 9].
في المصحف الذي يحتفظ به مركز دراسات الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بالقيروان بتونس نشاهد النقطة الخضراء، وقد استخدمت لتدل على الهمزة، وهي طريقة البغداديين، بينما استخدمت النقطة الصفراء لتدل على الشدة، بينما أخذت النقطة الزرقاء في كلمة مرضاة وتحت الضاد لتدل على الإمالة.
قال تعالى:
? لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ? [سورة التحريم، الآية 1].
لقد وصلتنا من هذه الفترة الزمنية أي القرن الهجري الأول والقرن الهجري الثاني عدة وثائق توضح لنا رسوم الحروف وطرق الشكل، والمتأمل في هذه المصاحف بالرغم من خلوها من الزخارف وتجردها من علامات نهايات الآيات ورءوس السور -فإنه يلاحظ روعة الفن في أداء رسوم هيكل الحرف، الذي يعبتره النقاد اليوم من أجمل الحروف وأكثرها حيوية.
¥