تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعد كتابة وثيقة الأمان زار عمر رضي الله عنه كنيسة القيامة، ولما كان في داخلها حان وقت الصلاة، فأشار عليه البطريك صافرونيوس أن يصلي في داخل الكنيسة قائلاً " مكانك صلي " إلا أن عمر أبى، وخرج من الكنيسة وصلى في مكان قريب خشية أن يتخذ المسلمون صلاته ذريعة فيضعوا أيديهم عليها، فقابل النصارى عمله هذا بالشكر، وذكره المؤرخون بالتقدير، فلما سأل عن مكان الصخرة فإذا هي مكان للقاذورات، فراح يحفن التراب بكفيه عنها، وحذا الصحابة حذوه، إلى أن برزت الصخرة فأمر أن يبنى عليها مسجد فبني المسجد، وكان ظلة من خشب حتى جاء فيما بعد عبد الملك بن مروان فأقام عليها جامع فخم وقبة لا تضاهى.

ذكر المؤرخون أن الخليفة عمر بن الخطاب زار قبيل رحيله عن بيت المقدس أبا عبيدة بن الجراح في بيته فلم يجد فيه سوى لبد فرسه، وكان هذا هو فراشه وسرجه ووسادته، وكسرٍ يابسة في كوة بيته ولما دخل عمر جاء بهذه الكسر فوضعها على الأرض بين يديه وأتاه بملح جريش وكوز من الخزف فيه ماء، فلما نظر عمر إلى ذلك بكى، وقبل أن يغادر بيت المقدس جمع الجند وشكر الله إذ صدق وعده ونصر جنده وأورثهم البلاد ومكن لهم في الأرض ثم نصحهم بالابتعاد عن المعاصي والتوبة وتقوى الله وإلا ذهب الله عزهم وسلط عليهم عدوهم. وأقام على بيت المقدس يزيد بن أبي سفيان على أن يأتمر بأوامر أبو عبيدة ثم عاد إلى الحجاز.

وفي سنة ثماني عشرة للهجرة استأذن عمر بن العاص الخليفة عمر في فتح مصر، وسار من قيصارية إلى عسقلان فغزة فرفح، ماراً بالعريش حتى وصل حصن بابليون ثم أرض مصر.

واختط الفسطاط ونشر الدعوة ودانت مصر بالإسلام، وتولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر فاتجه لفتح إفريقية ووصل تونس ودخلها سنة ثماني وعشرين للهجرة، وتولى مصر بعد ذلك معاوية بن حديج السكوني، وتولى عقبة بن نافع قيادة فتح المغرب سنة خمسين للهجرة فسار من زويلة وودان وفذان إلى جدامس ودخل إفريقية من الجنوب.

واختط شمال سبيطلة قاعدة سماها القيروان وبنى فيها مسجداً جامعاً واتخذ دار إمارة وأنفق في بناء القيروان خمس سنوات وأصبحت رابع الأمصار الإسلامية بعد الكوفة والبصرة والفسطاط.

حمل المسلمون المصحف الشريف المكتوب بخط الكوفة إلى إفريقية الشمالية، وسكانها من البربر يكتبون كتابة تسمى فيناغ لا تزال تستعمل حتى الآن لدى الطوارق في الصحراء الجزائرية، ولم يمض القرن الهجري الأول حتى كان الإسلام موطد الأركان في كل أنحاء المغرب، فهجر المغاربة حروفهم ونظروا إلى ذلك الحرف الوافد إليهم نظرة إكبار وتقديس ومحبة فحافظوا على رسومه ورصانته وتشددوا في قواعد الشكل الذي وفد إليهم مع الفاتحين من المدينة المنورة.

وكان مذهب الإمام مالك بن أنس واضحاً بيناً في جملة الرموز القرآنية حتى عهد قريب، تأسست القيراون وجامعتها في القرن الهجري الأول، وأمها أكابر علماء البصرة والكوفة ونشروا مذاهبهم في طريقة الكتابة القرآنية وتأثر أهل القيروان بالخطوط الكوفية المشرقية، ورأوا فيها أرواحهم وحياتهم وأنسهم، وأضفوا على خط المصحف مسحة جمال تفردوا بها عبر الأزمان حتى التصق اسمه بخطهم ودعا بالخط القيرواني، والمصحف المحفوظ في خزانة مركز الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بقيروان بتونس يدلنا بوضوح على طريقة الكتابة القيروانية في المصحف الشريف الذي خطه الخطاط علي بن أحمد الوراق على خمسة أسطر لحاضنة المعز بن باديس الصنهادي والذي حبسته على الجامع الأعظم بمدينة القيران.

ونقرأ فيه .. ? زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [سورة البقرة: 212].

وإن كان تطور الرموز والنقط في المشرق يسير قدماً للتوصل إلى النطق السليم لألفاظ القرآن الكريم؛ فإن المغاربة لم يرفضوا كل ما جاء إليهم من قديم المشرق، وإنما قبلوا ترتيب الحروف الهجائية مع اختلاف يسير واستعملوا نقط أبي الأسود الدؤلي ثم نقط نصر بن عاصم مع اختلاف نفط الفاء والقاف وكتبوا أسماء السور بالذهب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير