تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما زالت تختلف عليها الولاة من قبل بني أمية حتى انتهى حكهم في المشرق سنة اثنتي وثلاثين بعد المئة، ومن خيرة الولاة السمح بن مالك الذي مات أثناء حصاره لمدينة طولوز بفرنسا، وعبد الرحمن الغافقي الذي فتتح بوروده وليون وبيزانسون ثم طور وبواتيه التي توفي فيها أثناء المعركة بعد أن أصيب بسهم.

بعد سقوط الدولة الأموية في الشرق أمعن السفاح في تقتيل الأمويين فهرب منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك حتى دخل الأندلس سنة ثمان وثلاثين بعد المئة واقام فيها ملكاً وحضارة ومات فيها سنة ستة ومئتين وخلفه ابنه عبد الرحمن الأوسط بعهد منه.

وكان لطيف الجانب عظيم الخلق ميال للعلم والعلماء على اختلاف مذاهبهم، ثم خلفه عبد الرحمن الناصر الذي بنى الزهراء، وجعلها مركز الحكم، وكان عالماً فاضلاً بعيد النظر في القيادة والسياسة شجاعاً، وتوفي الناصر سنة خمسين وثلاث مئة هجرية بعد حكم دام خمسين سنة، وطد فيها دعائم الحكم لأبنه الحكم التي تفرغ لنشر العلم.

فكانت مكتبته تضم أربعة مئة ألف مجلد من الكتب النادرة وكان على أغلبها تعليقات بخطه، وكان أعلم بني أمية على الإطلاق، وقد نقلت العلوم والمعارف في عهده إلى أوروبا وترجمت الكتب إلى اللاتينية، ولولا ذلك لكانت أوروبا اليوم متأخرة مئات السنين عما وصلت إليها.

وتتالت الأحداث حتى انتهى الأمر بهشام بن محمد الملقب بالمعتمد فكان ضعيفاً فخلعه الجنود سنة اثنتين وعشرين بعد الأربعمائة وانقضى أمر الدولة الأموية، ثم تقسمت الدولة إلى ملوك الطوائف وآلت إلى حكم بن جهور والمعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، ثم جاء المرابطون والموحدون ولم يبق للعرب غير غرناطة التي بقيت في يدي بني الأحمر إلى آخر القرن التاسع الهجري حين سلم أبو عبد الله مفاتيح غرناطة إلى فرديناند في الثاني من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة هجرية.

حمل المغاربة القيروانيون خطهم الجميل إلى الأندلس حيث كانت بلادهم مركزاً للعبور نحو المشرق، ومنه ومؤولاً للعلم والبحث والدرس، فلما كانت الحضارة قد بلغت أوجهاً وكانت الحضارة والعمران والعلوم بدأ الخط المصحفي الأندلسي يرنوا نحو الليونة بدل اليبوسة، ويرسم ملامح وبوادر خط جميل بهيج، وكأنه التفاف الريحان في لوحة يسودها الحب في كتاب الله وشوف للارتفاع بالمعاني إلى أقصى درجات الصفاء.

وكانت العلوم في القرن الهجري الخامس بلغت مبلغاً عظيماً من التقدم، فقد ترك أبو عمر الداني الذي توفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة هجرية كتب قيمة في نقط المصاحف وقراءتها.

يقول ابن خلدون:" وأما أهل الأندلس فافترقوا في الأمصار عند تلاشي ملك العرب ومن خلفهم من البربر فانتشروا في عدوة المغرب وإفريقية، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع وتعلقوا بأذيالهم فغلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه ونسي خط القيروان والمهدية بنسيان عوائدهما وصنائعهما، وصارت خطوط إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس، وما إليها وتميز ملك الأندلس للأموييين فتميزوا بأحوالهم من الحضارة والصنائع والخطوط وتميز خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد، ونرى في نماذج المصاحف الأندلسية التي وصلت بر السنين مدى التطور الجميل الذي أشتق من الحروف الأموية، وقد سارت كلها على النهج العثماني في رسم المصاحف، وضبطت في البداية على طريقة أبي الأسود ثم تآلفت مع بعض رموز الخليل بن أحمد ثم نصر بن عاصم، وجعلت الفاء بنقطة إلى الأسفل والقاف بنقطة من الأعلى كما هي الحال في رسوم المغاربة، فاللون الأصفر مخصص للهمزات وهي على هيئة نقطة مدورة والحمرة للحركات وقد وردت في بعض المواقع دال مقلوبة، وأخذ أهل المدينة كما يروي الداني وصورة التشديد على هذا المذهب وتبقى الدال علامة على الشدة في المفتوح والمكسور والمضموم وعلى هذا الوجه ذهب نقاط أهل المدينة ومن سلفهم ومن خلفهم، وعلى استعماله واتباع أهل المدينة فيه عامة أهل بلدنا قديماً وحديثاً، وهو الذي أختار، وبه أنقط، ثم يذكر الداني بأن النحويون اختاروا كلمة شديد علامة على الشدة، واختار أهل المدينة أخر حرف الكلمة وهي الدال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير