تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يلاحظ في كتابة الأندلسيين والمغاربة نقط حروف الفاء والقاف والنون والياء في التطرف خلال القرون الأولى، إلا أنها قد خلت وتعرت فيما بعد من النقط في حالة التطرف.

ويضع الأندلسيون والمغاربة النقطة الخضراء للوصل على الألف عند البدء بالفتح وفي وسط الألف عند البدء بالضم وتحت الألف عند البدء بالكسر، وذلك ما امتازت به المصاحف الأندلسية والمغربية.

اعتنى الأندلسيون والمغاربة باستعمال الزخارف المذهبة والملونة في مصاحفهم، ومعظمها تبدأ بمربعين متقابلين بزخارف هندسية، تتداخل فيها الزخارف النباتية التي لا فراغ فيها، فالخطاط المسلم يكره الفراغ، كما يوجد مثلهما أواخر المصحف ورسمت فواصل الآيات بحليات الذهب وكذلك الأخماس والأعشار من الآيات في أشكال متباينة يحار المرء لي روعتها ودقتها، ويبحر معها متأملاً في آيات القرآن مسبحاً الله على ما من عليه من سلامة الذوق وحسن الاختيار.

وفي الهوامش طرر مزخرفة متصلة بأسماء السور وأخرى للأحزاب والسجدات وتجزءات رمضان وهي تنبيء قارئ القرآن وحافظه وتنبه إلى المكان الذي وصل إليه في قراءته كما أفردت لسورة الفاتحة والبقرة وأوائل الأجزاء مستطيلات مزخرفة كتب بداخلا اسم السورة وعدد آياتها.

أما بقية أسماء السور فكتب بخط الكوفة المجرد من النقط وبلون الذهب وكان ذلك حتى القرن العاشر الهجري.

وجل المصاحف المغربية مكتوبة على الرق لمتانتها وصونها من التلف.

لم يكن في المصاحف الأندلسية والمغربية على طول الزمن سوى خط واحد في خط نص القرآن وهو الخط المبسوط الذي يتسم برزانة حروفه وقربها من خطوط المشارقة الأم.

والفروق بين خطوط المصاحف الأندلسية والمغربية فروق تجويد واختلافات ضئيلة وترجع الاختلافات في مدرسة واحدة إلى انعدام قواعد تضبط الخط المغربي بالرغم من وجود حفاظ للقرآن في تلك البلاد، لقد حافظ الأندلسيون والمغاربة على مرسوم المصحف العثماني كما لقنوه وكما رأوه في المصحف الإمام مصحف عثمان.

وحرصوا على ذلك أشد الحرص ولما ارتضوا إدخال الشكل والحروف الزوائد رسموها بألوان مغايرة لحبر الكتابة، فخصة الفتحة والضمة والكسرة والحروف الزوائد بالحمرة والسكون والشد والوقف بالأزرق والصلة بالخضرة والهمز بالصفرة وامتازت المصاحف الأندلسية والمغربية عن المشرقية بالجرة المرسومة على الف الوصل لتدل على الحركة السابقة، وبالنقطة الدالة على كيفية الابتداء بألف الوصل عند الوقف، واختصت مصاحفهم أيضاً باتباع التنوين المتراكب منذ إرساء قوعد الرسم.

* المصحف الشريف ومظهره الخارجي.

تنوعت أشكال وأحجام المصاحف والصفحات التي خط عليها رسم القرآن العظيم عبر التاريخ، وهي في مجملها لا تتعدى عن ثلاثة أشكال، شكل مربع، وآخر مستطيل بشكل أفقي، وثالث مستطيل بشكل عمودي.

ولقد وصلنا من النموذج الأول بعض صفحات نادرة الوجود وتحتفظ بها مكتبة جامعة إسطنبول وهي مما تركه أجدادنا من تراث الأندلس وقد خط بمدينة بلانسيا سنة ثماني وسبعين وخمسمائة هجرية بخط محمد بن عبد الله بن علي بن غطوس المتوفى سنة عشر وستمائة للهجرة وقد كتب بالخط الدقيق على الرق بمداد بني فاتح، كما وضع الخطاط إشارات الشد والجزم باللازغرد وعلامات التشكيل الأخرى بالأحمر وخرج فيه عن قاعدة الأندلسيين والمغاربة فنقط الهمزة بلون أحمر على طريقة المشارقة، وجعل أسماء السور وشارات التخميس والتعشير على الهامش وبالذهب الخالص.

وابن غطوس هذا كان وحيد عصره في الأندلس وبمدينة بلانسيا وقد كتب بالأندلس في حياته ألف مصحف وكان متخصص في كتابة المصاحف لا يكتب غيرها كما عاهد نفسه على ذلك.

أما الشكل الثاني اللذي يميل للامتداد عرضاً، عرف عند المؤرخين والمشتغلين بالفن باسم المصحف السفيني نسبة إلى السفينة؛ لأن شكله قريب منها على ما يزعمون، وجاء وصفه في كتب تاريخ الفن أنه ذو الفورمة الإيطالية، وقد تحدثنا في حلقة ماضية عن الرق وقلنا: إن الفينيقيين كانوا أصحاب تجارة الرقوق وهم الذين يقطعونها إلى مستطيلات ثم يتاجرون بها بسفنهم إلى إيطاليا.

وقد جاءت تسمية الطليان لها بالسفينة نسبة إلى سفن الفينيقيين التي حملت لهم هذه البضاعة.

وأما الشكل الثالث: وهو المعروف بالفورمة الفرنسية وقد أطلق عليه مؤرخو الفن اسم المصحف العمودي والذي ما زال سائداً ومتعباً حتى اليوم. إن هذه التسميات التي أطلقها مؤرخو الفن على الشكل الخارجي على المصحف العظيم لا تحمل أي دلالة فنية ولو عدنا إلى رحلة الشتاء والصيف ورأينا كيفي حمل القرشيون رقوقهم من بلاد الشام لعرفنا السبب في اختيار أجدادنا للشكل المستطيل اللذي يناسب حرفهم المحقق الرصين ويناسب ما يريدونه من تعظيم كتاب الله بخط جليل واضح، وبانقضاء القرن الهجري الثالث وظهور خط النسخ الشامي في المصاحف وهجران خط الكوفة الرصين وبدء الكتابة على الورق بدل الرق، ظهر المصحف بشكله العمودي الذي يناسب الخط ويؤدي غرض الحفاظ بعد تقسيمه إلى أجزاء وأحزاب وأرباع وأعشار وأخماس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير