تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يكن المصحف الشريف خلال القرون الهجرية الثلاثة الأولى إلا جسماً لحرف مكتوب على الرق دون أن تكون فيه أية مسحة زخرفية وكان الصحابة والتابعون يتحرجون من أن يجددوا شيئاً في المصحف، أو أن يضيفوا إليه ما ليس منه؛ فلم تكن هناك فواصل بين الآيات أو علامات تخميس أوتعشير ولم تكن الفواصل بين الصفح إلا مساحات بيضاء لا إشارة فيها ولا تعريف.

وشيئاً فشيئاً تسللت الزخارف إلى المصاحف وحلت في الصفحات الأولى والأخيرة ووجدت في فواصل السور وفي نهايات الآيات ومواضع التخميس والتعشير والأجزاء والأحزاب، ثم لم تلبث أن تجاوزت في القرن الخامس الهجري واتخذت شكل إطارات أو جداول زخرفية تحيط بالمساحة المكتوبة من الصفحة.

ولم يكن المصحف يسمح للفنانين بالحرية المطلقة في ممارسة ألوان فنونهم، فاقتصرت جهودهم على الزخرفة الجمالية والتذهيب، ولقد كان نطاق الزخرفة في المصاحف أضيق من نطاق التذهيب؛ لأن التذهيب يوجد حيث توجد الزخارف، ويوجد في مصاحف العالم مصاحف ترجع إلى القرن الثالث وأخرى للقرن الثاني نجد فيها ألوان شتى من الحلي الفنية بزخارفها المذهبة، وطراز الزخرفة وأسلوب التذهيب ينبيء عن أنها مملوكية الزمن والعهد، فهل نشك في قيمتها التاريخية؟

إن نظرة بسيطة في عمق التاريخ تطلعنا إلى أن الزخارف لا تعود إلى قدم الكتابة نفسها، وإنما أضيفت إليها إضافة بعد قرن أو قرنين وما نشاهده من حليات ومشكاوات مرسومة على مصاحف القرن الهجري الأول والثاني تدل دلالة لا شك فيها على أن يداً قد تناولتها بعد حين من الدهر وأدخلت عليها التحسينات إدخالاً، ولم تكن النية الإساءة للعمل الأثري وإنما تجليلاً وتعظيماً لمكانتها وشأنها وقدسيتها وهذا ما حدث في مصاحف سيدنا علي وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهم، وجعفر الصادق رحمه الله.

إن الحليات والزخارف التي تفصل بين السور لا تخرج عن كونها مستطيلات مذهبة وملونة استخدم فيها الفنان المسلم اللون الذهبي والأزرق اللازوردي والأخضر والأسمر، وكانت الرسوم تحدد أولاً باللون الأسود وباستخدام اللون الأخضر الداكن والقرمزي والزنجفري بشرائط ذهبية تجنح نحو التعقيد والدقة وتعطينا الدليل على ما لهذا الفن من جذور وأصول ومعرفة بالالوان وتركيبها وصناعتها، وقد يمتد المستطيل المتد في راس السورة إلى الهامش ويأخذ شكلاً جمالياً يوظفه لكتابة السورة مكية كانت أو مدنية.

وتنتشر الزخارف الدقيقة بأشكالها الهندسية الملونة والمذهبة داخل الأشكال المرسومة وقد تمتزج بالكتابة أحياناً ولم تكن الشرائط الزخرفية التي تفصل السور عن بعضها في المصاحف الأولى تحمل بداخلها أسماء سور كما هو الحال في المصاف المتأخرة وأنما كانت مجردة خالية من أية نوع من الكتابة اللهم إلا من الزخرفة البسيطة التي تطمئن القارئ والدارس على نهاية سورة والبدء بسورة جديدة.

لقد امتدت المستطيلات الزخرفية التي تفصل بين السور إلى الهامش الخارجي في شكل حلية جانبية مستديرة أو على شكل أوراق شجر تنتشر بداخلها زخارف نباتية وهندسية ملونة ومذهبة، وحتى المصاحف التي لم تكن السور فيها تفصل عن بعضها بشريط زخفي نجدها وقد وشحت جوانب الصفحات واحتلت الهوامش الخارجية، ولو تركنا فواصل السور وتأملنا فواصل الآيات لرأينا بوضوح أنها لا تخرج عن كونها حليات صغيرة مستديرة وهي في باديء الأمر اتخذت شكل المثلث الهرمي ضمن دوائر.

ثم استلهم الفنان أشكالاً وأشكالاً وضع داخلها العدد الأبجدي، لقد وجد التذهيب أول ما وجد في المصاحف وفي مواضع الزخرفة على وجه الخصوص ثم ذهبوا به إلى تذهيب الخط والكتابة، وارتباط التذهيب بالمصاحف ظل قائما طوال القرون الأولى للإسلام، ويروي لنا المقريزي أن خزانة كتب العزيز بالله أخرج منها ايام الشدة المستنصرية ألفان وأربعمائة ختمة في ربعات بخطوط منسوبة زائدة الحسن محلاة بذهب وفضة وغيرهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير