إلى نهاية الصفحة، لقد امتاز هذا المصحف بخطه الرشيق الجميل الذي يفصح عن تمكن في قواعد حرف الثلث المحقق الذي نقطه يد سيدة تفوقت بعملها وشغفها حبها لكلمات الله عز وجل، ولإن دل ذلك على شيء إنما يدل على تمكن المرأة في تعلمها وكتابتها في ذاك الزمن الذي قل فيه من يعطي المرأة مكانتها وقد احتلت بعملها هذا مكانة رفيعة بين الخطاطين اللذين خطوا كتاب الله وآياته بحرف بديع.
وزخرفوا صفحاته ببدائع الزهور ورقموا أخماسه وأعشاره وأجزائه وأحزابه بترر ومشكاوات بديعة الشكل بهية المنظر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:04 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (7)
عرف العرب الورق قديماً، فاستوردوه واستعملوه في الكتابة، إلا أنه لم ينتشر بينهم إلا بعد أن صنعوا بأيديهم وعلى أرضهم وكان ذلك زمن الخليفة " هارون الرشيد "، وبعد أن فتحت " سمرقند "، وانتصر " زياد بن صالح الحارثي " حاكمها على " اخشيد فرغنا " الذي كان يناصره ملك الصين سنة ثلاثة وثلاثين ومئة للهجرة.
وعاد المسلمون إلى " سمرقند " ومعهم العمال الصينيون اللذين يتقنون صناعة الورق، وقامت صناعة الورق على أيديهم في " سمرقند " ثم ما لبثت أن انتقلت إلى العالم العربي فأقام " الفضل بن يحيى البرمكي " وزير الرشيد مصنعاً في بغداد، واستعمل الورق بدل الرقوق في الدواوين، وكان الصناع الصينيون يصنعون الورق من شرانق الحرير، فطور المسلمون هذه الصناعة وصنعوه من الكتان والقطن، وكانت بغداد والشام وفلسطين في القرن الرابع الهجري تحتل مكانة هامة في صناعة الورق وتصديره للخارج.
وأصبحت صناعة الورق الشامي تنافس سمرقند ومن الشام انتقلت صناعته للمغرب العرب، ثم إلى صقلية والأندلس وأوروبا، يقول " فيليب حنا": إن من أجل الخدمات التي أسداها الإسلام إلى أوروبا صناعة الورق؛ ولولاها لما اخترعت المطبعة، ولولا الورق والمطبعة لما تيسر للعلم انتشاره في أوروبا بهذه الصورة العامة التي انتشر بها، لقد أحدث ظهور الورق ثورة ثقافية في العصر العباسي، نال المصحف الشريف الحظ الأوفر منها؛ لأنه الكتاب الذي لا يعلو عليه كتاب، فانتشر في أصقاع المعمورة انتشاراً مذهلاً ونشط الخطاطون والفنانون في كتابته بعد هجران الخط اليابس، وكانت أمنية كل خطاط أن يتقرب إلى الله بكتابة المصحف؛ لأن ذلك من جلائل الأعمال وأشرفها، ومنهم من تخصص في نسخها وبلغ أعداداً تكاد لا تصدق، رغم الأعداد الكبيرة التي كتبت في هذه الفترة فإنه لم يصل إلينا سوى عدد نادر جداً، ومنها " مصحف ابن البواب تلميذ بن مقلة " وتحتفظ به مكتبة " تشيستر بيتي " في " دبلين " بأيرلندا بقرم واحد وثلاثين وأربعمائة وألف وهو المصحف الوحيد الذي بقى سالماً بكامله من ذلك العصر.
ويوجد في أول المصحف ست صفحات مستطيلات متقابلات ومزخرفة، وعلى هامش كل منها ترة بأوراق نخيلة على هامشها متصلة بالإطار، وفي الصفحتين اللتين بأول المصحف، مستطيلات كتب عليها بخط مذهب مسور بالأسود ما نصه.
بسم الله الرحمن الرحيم (عدد سور القرآن مئة وأربع عشرة سورة، وعدد ما فيه من آيات ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، هو سبع وسبعون ألف كلمة وأربع مئة وستون كلمة، وعدد ما فيه من حروف المعجم ثلاثمائة حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً، وعدد ما فيه من نقط المعجم مئة ألف نقطة وست وخمسون ألف نقطة وأحد وخمسون نقطة).
وتتركب الصفحتان التاليتان من أشكال مسدسة في مستطيلين في كل صفحة ست منها، وفي كل مسدس كلمة تشير إلى رواية الأعداد بخط الثلث المسور بالأبيض، والصفحتان التاليتان تشتمل على أشكال دائرية كبيرة يتخللها زخارف نباتية.
وفي آخر المصحف صفحتان مثل سابقتهما، ثم تليهما صفحتان تحتوي كل واحدة منهما على أربعة عشر سطراً مفصولة بخطوط مستقيمة وعلى هامشها كرة دائرية، كتب عليها بقية نص الصفحة، وكتب بأول كل سطر بخط كوفي أسماء الحروف ثم أعدادها، وقبل الصفحتين نرى نص الخطاط الذي يوضح زمن الكتابة وفيه ...
(كتب هذا الجامع علي بن هلال بمدينة السلام سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة حامداً لله تعالى على نعمه، ومصلياً على نبيه محمد وآله، ومستغفراً من ذنبه).
¥