تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد أفرد ابن البواب ظهر الورقة التاسعة للفاتحة وسورة البقرة مع إطارين مزخرفين يحملان اسم السورة وعدد آياتها ومكيها ومدنيها على الهامش.

وسائر أوائل السور بغير إطار وخط أوائل السور بالثلث وبلون الذهب المسور بالحبر كي يميزها عن القرآن.

وعلى الهوامش طرر موازية ودوائر مزخرفة للأخماس والأعشار من الآيات، كتب بوسطها بالخط الكوفي خمس أو عشر وفي وسط النص دائرة صغيرة عليها حرف كوفي يتناسب مع العدد العشري، الياء للعشرة وكاف لعشرين، ويفصل آيات القرآن الكريم بثلاث نقاط متركبة باللون الأزرق، ويشير في بداية السور لمكان التنزيل، فهي إما مكية أو مدنية، كما نلاحظ حرف الهاء الذي يدل على العدد خمسة بعد نهاية كل خمس آيات.

وما نراه في هذا المصحف الذي يعود إلى القرن الرابع الهجري أنه لم يلتزم إملاء " عثمان بن عفان " رضي الله عنه، ونلاحظ كلمة العالمين والكتاب قد كتبتا بألف طويلة، كما نلاحظ بعض رموز التجويد كأن يضع شدة فوق الراء التي تلي النون الساكنة ليدل على الإدغام، والزخارف المتقنة الجميلة في هذا المصحف هي من صنع وعمل " ابن البواب "، وقد كان في بداية حياته يعمل مزوقاً للكتب والقصور وغير ذلك، لقد امتاز ابن البواب في خطه بالإرسال المتقن فكان هذا المصحف بخط ريحان نقياً سلساً تتبعه العين بكل ارتياح.

وفي نهجه هذا تكمن المدرسة العراقية التي سبقت كل المدارس في تحسين خط المصحف اللين، كما توضح تقدم الخط اللين في جملة الكتب والرسائل وساعد على ذلك تمركز الخلافة العباسية في بغداد واحتياج الدواوين إلى الأمور الكتابية.

قال أبو حيان التوحيدي: وأما الشيخ ابن البواب فوجد أن الناس قبله قد اجتهدوا قبله في إصلاح الخط الكوفي، وأقبلوا على ترطيب الكتابة للسر الخفي، وهو حب النفس للرطوبة؛ لأنها مادة الحياة، وهي لجنونه الخط وريه، وألا يرى من خارج زواياه، وكانت أسباب إتقان هذه الصناعة قد كملها الله له بأسرها، وأراده لهذه الرتبة، فشد لها أسره وأطلعه على سرها، فرأى ابني مقلة قد أتقنا قلمي التوقيعات والنسخ لكن لم يرسخا رحمهما الله في إتقانهما ذلك النسخ، فكمل معانيهما وتممه، ووجد شيخه " ابن أسد " يكتب الشعر بنسخ قريب من المحقق فأحكمه وحرر قلم الذهب وأتقنه، ووشى برد الحواشي وزينه، ثم برع في الثلث وخفيفه وأبدع في الرقاع والريحان وتلطيفه وميز قلم المتن والمصاحف، وكتب بالكوفي فأنسى القرن السالف.

لقد كان التسابق إلى اقتناء المصاحف والتزافر على نيل الجيد منها مشجعاً الخطاطين على الإجادة والإبداع، وكان للتأثير الديني النصيب الأوفر والأكبر فمن قدسية المصحف وجلال كلام الله استلهم الخطاطون إجادة التحرير واكساء الحروف وأعطوها مسحة وحية كان لها أروع الأثر في براعتها ورهبتها.

لقد توفي " ابن البواب " ببغداد يوم الخميس، ثاني جماد الأولى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة هجرية ودفن بجوار الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ووصلت إلينا آثار عدة ممهورة باسمه، إلا أن المحققين لم يتفقوا على نسبة جميعها، إذ كثر المقلدون لخطه جرياً وراء الكسب بانتحال توقيعه، فقد كان في اقتناء خطوطه قيمة لا تقدر وتنفق أثمان باهظة في سبيل الحصول عليها.

أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة عمراً ما كان يدري فيه ما الكتاب وما الإيمان، ثم اختاره الله -سبحانه وتعالى- لتبليغ الرسالة، فأوحى إليه روحاً من أمره وجعل مبعثه كالرسل من قبله في سن الأربعين ليكون أنضج فكراً وأصدق عزماً.

لقد نزلت آيات القرآن العظيم وتلقاها من ملك الوحي خلال سني حياته في مكة والمدينة وما بينهما، وفي كل مكان رحل إليه، واصطلح العلماء أن كل ما نزل من القرآن الكريم قبل الهجرة يسمى المكي، وكل ما نزل بعد الهجرة يسمى المدني، ويوجد في القرآن العظيم سور كاملة مكية وأخرى مدنية، وفي كل منهما آيات مكية ومدنية، إن ما نزل من القرآن في مكة من السور بلغ خمس وثمانين سورة، وجميع ما نزل بالمدينة بلغ تسع وعشرين سورة، وتعنى السور المكية بترسيخ العقيدة وأصول الدين وتوحيد الخالق عز وجل، والإيمان بالملائكة واليوم الآخر والأعمال الصالحة، وتعنى السور المدنية بالتشريع للمجتمع الإسلامي ودولته الجديدة، وتنظيم العلاقات بين الإنسان وربه وربينه وبين نفسه، وبينه وبين بنيه من البشر وبينه وبين سائر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير