تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري من أشرف علوم القرآن، علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداءً ووسطاً وانتهاءً، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وهذا على أحد قولي العلماء في التفريق بين المدني والمكي، لقد اعتنى المسلمون بقرآنهم عناية فائقة، وجعلوا العلم فيه فريضة على كل من يعنى بتفسير كتال الله المجيد، ولا بد من العلم بما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، ثم ما نزل نهاراً وما نزل ليلاً، ثم ما حمل من مكة إلى المدينة وبالعكس وما حمل إلى أرض الحبشة، ثم ما نزل مجملاً وما نزل مفسراً وغير ذلك من العلوم.

لقد بلغت العناية بهذا الكتاب الكريم أقصى ما يبلغه الباحثون من التحري والتدقيق، فلم يفتهم ذكر أبسط التفصيلات وأصغر الجزيئات، إن أكثر القرآن نزل نهاراً ونزلت منه بعض السور ليلاً، وفي البخاري من حديث عمر قال صلى الله عليه وسلم: (لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، فقرأ: ? إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ? [سورة الفتح، الآية 1] .. ونزلت في الليل أوائل آيات من سورة الحج: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ? [سورة الفتح، الآية 1] .. وفي الفجر نزل عليه: ? لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ? [سورة آل عمران، الآية 128].

والآيات تنزلت في الشتاء والصيف وفي السفر و في القتال، وفي كل مكان حل فيه أو رحل إليه، وقد يبدوا هذا الاستقصاء لدى بعض الناس غير ذي بال، لكنه صدق الرواية، وإمكان الثقة بها جعلت العلماء يتتبعون كل آية ومكان نزولها وتاريخها مما ينفي الريبة والشبهة عن هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل، هذه الخصائص الموضوعية والأسلوبية سواء كانت قطعية أو أغلبية تصور الخطى الحكيمة المتدرجة التي كان يخطوها الإسلام في تشريعه، فخطاب أهل المدينة لا يماثل خطاب أهل مكة، لأن البيئة الجديدة في المدينة أصبحت تستدعي التفصيل في التشريع وفي بناء المجتمع الجديد ولا بد من أن يراعي المخاطبين في كل آياته وسوره.

كتب الصحابة رضي الله عنهم المصاحف بما كان معروفاً في زمنهم من قواعد الهجاء وأصول الرسم الإملائي، وقدوتهم المصحف العثماني الذي خط زمن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان جل الصحابة ومن وافقهم من التابعين وتابعيهم ينهجون على الرسم العثماني في كل ما كتبوه ولوم لم يكن قرآنا أو حديثاً، واستمر الأمر على ذلك عهداً طويلاً، إلى أن ظهر علماء المصرين الكوفة والبصرة، وأسسوا لهذا الفن ضوابط وروابط بنوها على أقسيتهم النحوية وأصولهم الصرفية نظراً لحاجة الناس باستزياد استعمال الكتابة لنظام موحد للقواعد، وبانتشار استعمال القواعد التي وضعها العلماء للكتابة ظهر ما يسمى بقواعد الهجاء أو الإملاء أو علم الخط القياسي أو الاصطلاحي وهجر الناس استعمال هجاء الكلمات القديم في كتاباتهم، لكن خطاطي المصاحف لم يستعملوا السور الجديدة للكمات في خط المصاحف، وظلوا يحافظون على سور الكلمات كما ورد في مصاحف العثمانية الأئمة، وميز العلماء بعد ذلك بين ثلاثة أساليب للكتابة، يقول " ابن دراستويه " في مقدمة كتابه الكتاب " ووجدنا كتاب الله جل ذكره لا يقاس هجاءه ولا يخالف خطه، ولكنه يتلقى بالقبول على ما أودع المصحف.

قال " قال أبو حيان " سار الاصطلاح في الكتابة على ثلاثة أنحاء اصطلاح العروض، واصطلاح كتابة المصحف، واصطلاح الكتاب في غير هذين، ولقد جرت محاولات منذ وقت مبكر لتغيير الرسم المصحفي العثماني وكتابته على ما وافق عليه الرسم الحالي، فيروي الداني: " إن إمام المدينة ملكاً المتوفى سنة مئة وتسعين وسبعين هجرية رحمه الله، سؤل فقيل له أرأيت من استكتب مصحفاً اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك ولكن أن يكتب على الكتبة الأولى، ويروى أيضاً أنه سؤل عن الحروف التي تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تغير من المصحف إذا وجدت فيه كذلك؟ فقال: لا .. ، ويعقب الداني على ذلك بقوله يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ وقد أجمع العلماء على مثل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير