تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا جوهر شهرة الشيخ " حمد الله " وسر تفوقه على كتاب عصره، لقد قدم الشيخ حمد الله في هذا المصحف خطاً ذا قيمة جمالية عالية، تنم عن ذوقه الرفيع الذي تجلى في سور حروفه ونظام أسطره، وتمكن يده من رسم العراقات والإمدادات والاستمدادات بقوة ورشاقة، وامتازت حروفه بحسن الربط وكلماته بالانسجام، فكان عمله الفني هذا بداية عصر ذهبي للخط العربي.

لقد رخص الخطاطون محافظة على حروفهم ورسوم أشكالها على تقنين قواعد يلتزمونها لضبط أحجام الحروف ويوحدون بها أساليب الكتابة للمسلمين في كل الأقطار، وقد بلغ خط النسخ عند الشيخ حمد الله نضوجه الفني، وقواعده التي قررها ظلت متوارثة التزمتها الأجيال.

لقد زينت المصاحف منذ عهد ابن البواب بزخرفة صفحات أول المصحف وآخره وفواصل الآيات وترر الهوامش، وتقدمت عبر العصور نحو الجودة والتعقيد وبلغت سراءً باهراً في عهد المماليك، ولدى بلاد فارس عند القرن الثامن.

ويندهش الرائي لجمالها وهندستها وانسجام ألوانها، ولقد اشتهر مذهبون منقطعون لهذه الصنعة يقومون بها عند فراغ الخطاط من الكتابة، ثم يعهد للمجلد لصنع السفر الفاخر المزخرف، ويحرص الخطاط المسلم على تذييل المصحف بتوقيع يحمل اسمه وتاريخ الفراغ منه وأحياناً اسم المذهب.

لقد بلغ خط النسخ في المصاحف غايته المرجوة في القرن العاشر، ورست قواعده وكملت نسبه، وإن الإضافات التي كسته لا تتعدى أسلوب الكاتب، وانتهت زعامة الخط المصحفي إلى الحافظ عثمان المتوفى سنة عشر ومئة وألف، لما امتاز به من سلاسلة واتزان الحروف وباسطر مستقيمة معتدلة وبكتل متسقة، فاستحوذ على أسرار الخط وأخذ بناصية هذا الفن الجميل، وقد كتب خمسة وعشرين مصحفاً، طبعت ثلاثة مصاحف منها.

من خصائص السور المكية حروف التهجي، يفتتح الله سبحانه وتعالى بها مواضع من كتابه العظيم، وإن في القرآن العظيم صيغا مختلفة من هذه الفواتح، فمنها البسيط المؤلف من حرف واحد، وذلك في سور ثلاث، " ص " وهي السورة الثامنة والثلاثون في القرآن العظيم، و سورة " ق " وهي التي تحمل رقم خمسين، و " القلم " التي تبدأ بحرف نون وتأتي برقم ثمانية وستين، ومن هذه الفواتح عشر مؤلفة من حرفين، سبع منها متماثلة تسمى الحواميم، لأنها أوائل السور المفتتحة بها هي " حم " وذلك ابتداء من السورة أربعين حتى سورة السادسة والأربعين.

وهي سور " غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف " والسورة الثانية والأربعون منها خاصة مضموم إلى " حم " فيها " عسق " وتتمة العشر " طه " في السورة العشرين، و " طسم " في السابعة والعشرين، وهي سورة النمل و " يس " في الثامنة والثلاثين، أما الفواتح المؤلفة من ثلاثة أحرف فهي في ثلاثة عشرة سورة، ست منها على هذا التركيب، " ألم " وهي في السور اثنين البقرة، وثلاث أل عمران، وفي التاسعة والعشرين العنكبوت، وفي الثلاثين الروم، وفي الواحدة والثلاثين لقمان، وفي الثانية والثلاثين السجدة، وخمس منها بلفظ " الر " في مستهل كل من سورة يونس العاشرة، وهود الحادية عشرة، ويوسف الثانية عشرة، وإبراهيم الرابعة عشرة، والحجر الخامسة عشرة، واثنتان منها تأليفهما " طسم " وهما في السورتين السادسة والعشرين الشعراء، والثامنة والعشرين القصص، وبقيت أن ثمة سورتين مفتتحتين بأربعة أحرف أحداهما سورة الأعراف التي أولها " المص " والأخرى سورة الرعد والتي في مستهلها " المر "، وتكون سورة مريم أخيراً المفتتحة بخمسة حروف مقطعة وهي " كهيعص " ويتضح من هذا العرض أن مجموعة الفواتح القرآنية تسع وعشرون، وأنها على ثلاثة عشر شكلاً.

وأن أكثر الحروف وروداً فيها (ألف، اللام، ثم الميم، ثم الحاء، ثم الراء، ثم السين، ثم الطاء ثم الصاد، ثم الهاء والياء ثم العين والقاف وأخيراً الكاف والنون)، وجميع هذه الحروف الواردة في الفواتح من غير تكرار يساوي أربعة عشر وهي نصف الحروف الهجائية وبذلك يستأنس المفسرون القائلون أن فواتح السور إنما ذكرت في القرآن العظيم لتدل على أن هذا القرآن الكتاب الكريم، مؤلف من حروف التهجي المعروفة، فجاء بعضها مقطع منفرداً، وجاء تمامها مؤلفاً مجتمعاً ليتبين للعرب أن القرآن نزل بالحروف التي يعرفونها، فيكون ذلك تقريعاً لهم ودلالة على عجزهم أن يأتوا بمثله، وقد أسهب في بيان هذا الرأي من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير