تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويؤكد " هومايون فرخ " أن خط فيرموز من الخطوط التي راجت في عهد الساسانيين وظل معروفاً في الإسلام حيناً من الزمن، وقد دون الإيرانيون به نسخ القرآن العظيم، وهو نوع من الكوفي المتطور، ولقد وصلتنا مصاحف جميلة من هذه الفترة ومن الفترة الأولى من بلاد ما وراء النهر، وكلها تشهد على رفعة ذوق الفنانين في تسطيرهم وتذهبيهم لكتاب الله عز وجل، وانخرط الخطاطون المسلمون في المشرق بتحويل الخط اليابس إلى لين، وهجران اليابس من المصاحف.

وتبعهم في ذلك خطاطو ما وراء النهر، وابتكروا لنفسهم خطاً نسخي يختلف تماماً عن النسخ الذي تطور في البلاد العربية، فطمسوا حرف الواو وابتعدوا عن التطورات الجمالية التي حدثت على يد الشيخ " حمد الله والحافظ عثمان ".

وكونوا لأنفسهم مدرسة خاصة في فن نسخ المصاحف، ومما يثير العجب أن أهل المشرق لم يكتبوا المصحف الشريف بخطهم الاعتيادي الذي يطلقون عليه اسم " النستعليق " ونطلق عليه في بلادنا " الخط الفارسي " إلا بشكل نادر.

وقد وصلنا مصحف بهذا النوع من الخط وهو لخطاط شهير يلقب " بالذهبي قلم " والمصحف محفوظ في خزانة خرقة السعادة في مكتبة سراي " توب قابو " وهي خزانة الآثار النبوية، كتب هذا المصحف الشاه " محمود النيسابوري " وقد أخذ الخط عن خاله " عبد النيسابوري " ثم عن السلطان " علي المشهدي "، وكان كاتب " الشاه إسماعيل " ولازم أيام شبابه الشاه " طهما سيد " ثم انتقل لمشهد ليعمل هناك.

إن كتابة مصحف بخط " النستعليق " مخالف للخطوط التي كتبت منذ الخط الرابع، سواء العربية أم الفارسية.

إن المصحف كبير الحجم ولم يخرج عن قواعد التصميم العادي للمصاحف المعروفة في زخرفة سورة الفاتحة وسورة البقرة وأوائل سور وطرر الهوامش.

وقد زيل المصحف في آخره بعبارة " على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله الملك الغني شاه محمود النيسابوري زرين قلم في يوم الأربعاء، الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة خمس وأربعين وتسعمائة هجرية " ..

ويمتاز المصحف باتساع كلماته وحروفه والمسافة بين الأسطر، وخط التعليق هو القلم الوحيد الذي تميل صواعده نحو اليمين، كما أنه هو الذي يرسم بالقلم لكثرة الأجزاء الدقيقة في ثناياه، فتكتب حروفه بطرف القلم، كما أن التباين في حروفه ووصلاته تضفي عليه جمالاً يتجلى في الليونة والتنغيم في حروفه التي تتراوح بين الصغيرة المتناهية في الصغر والكبيرة الطويلة كالاستمدادات، ويكسبه هذا الاختلاف روحاً خاصة تنم عن الذوق وسمو الإبداع، ويخلو هذا القلم من الشكل لكنه ورد في هذا المصحف مشكولاً، بقلم دقيق حفظاً له من اللحن ولعل أهل فارس رأوا فيه فناً لا يناسب المصحف فسايروا عامة المسلمين في كتابة مصاحفهم بالخطوط المتداولة.

لقد انقطع كثير من الخطاطين لكتابة المصاحف واختصوا بها لكثرة الطلب وعدم وجود مطابع ولثواب الله عز وجل، وكانت المصاحف المذهبة للسلاطين وكبار القوم مرتفعة الأجر إلى حد الخيال.

وكان السلاطين يطلبون من خطاطي عصرهم كتابة مصاحف ليوقفوها على المساجد الشهيرة أو يهدونها في المناسبات العزيزة.

ويصرفون عليها المبالغ الطائلة، حتى وصل ما صرفه الملك الناصر على كتابة المصحف الذي كتبه له وذهبه وجلده " محمد بن محمد الهمزاني " أكثر من ستة ألاف دينار ذهبي، وكان السلاطين يقربون كاتبها ويعظمونه ويغدقون عليه النعم، وكان ذلك مشجعاً ودافعاً للانقطاع إلى كتابة المصاحف.

وقد حكي عن " أبي حمدون الطبيب " قال: (شهدت ابن أبي العتاهية وقد كتب عن أبي محمد اليزيدي المتوفى سنة اثنين ومائتين قريباً من ألف مجلد عن أبي عمر بن العلاء خاصة، فيكون ذلك عشرة ألاف ورقة؛ لأن المجلد عشر ورقات).

وحدَّث أبو النصر قال: (حدثني أبو القاسم قال: سمعت سيف الدولة يقول وقد عاد إلى حلب: هلك مني من عرض من كان في صحبتي خمسة ألاف ورقة بخط علي بن مقلة، فاستعظمت ذلك وسألت بعض شيوخ خدمة الخاصة عن ذلك فقال لي: كان أبو عبد الله منقطعاً إلى بني حمدان سنين كثيرة يقومون بأمره أحسن قيام، ويخط لهم الكتب والمصاحف).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير