تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الزركشي: " إنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف ألا يفضي إلى تغييره في كل وقت؛ فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم، كان كل ما يكتب يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينسخ الكتاب لأنفسهم نسخة منه فتعاون الحفظة والكتاب على حفظه وعدم ضياعه أو تحريفه، مصداقاً لقوله تعالى، ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [سورة الحجر، الآية 9] ..

بعد غروب شمس النبوة لاقت خلافة " أبي بكر الصديق " مصاعب جمة، واستشهد سبعين حافظاً أثناء موقعة اليمامة في حروب الردة اقترح سيدنا عمر بن الخطاب على الخليفة أبي بكر جمع القرآن، وشرح الله صدر أبي بكر وأسند المهمة كاتب الوحي زيد بن ثابت، الذي شهد العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخ زيد المصاحف في صحائف من الرق وربطها في خيط وأودعها بيت الخليفة عمر، ثم آلت إلى بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهم.

في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن العظيم الجمع الثاني، بعد أن ألقى المهمة إلى عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وزيد بن ثابت، وقامت هذه اللجنة الرباعية بإخراج النص المخطوط لأول مرة معتمدة على المصحف المحفوظ عند أم المؤمنين حفصة.

بعد سنة من العمل الجاد وأرسلت النسخ إلى الكوفة والبصرة والشام، واحتفظ الخليفة بنسخة، وتمر الأيام، ويدخل في الدين الجديد آلاف وآلاف من غير العرب اللذين لا يحسنون التكلم بالعربية، فتسرب اللحن وفشا الغلط في قراءة القرآن؛ مما دفع " أبا الأسود الدؤلي " لشكل القرآن وإعرابه بطريقة النقط باللون الأحمر، فجعل النقطة الحمراء فوق الحرف للفتحة، وتحته للكسرة، وبين يدي الحرب للضمة، وأضيفت بعد ذلك النقط الصفراء والخضراء والبرتقالية، واللازاوردية لتدل على الهمز والتشديد والمدود، ولعبت الألوان بصورة نقاط للشكل والضبط فوق الحروف دوراً كبيراً في العناية برسط المصحف على مدى أربعة قرون، وكانت الغاية من ذلك ضبط القراءة حتى لا يخطئ قارئ القرآن في حرف صوتي، إلا أن الحروف المتشابهة كالباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء بقيت مشكلة قائمة عند الأعجمي، إذ كثر التصحيف والتحريف، فتصدى لحل لهذه المشكلة نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، بأمر من " الحجاج بن يوسف الثقفي "، ونقطت الحروف المتشابهة، وأمنت القراءة من التصحيف، كما جمع الحجاج فقهاء المسلمين وقرائهم وحفاظهم ومكثوا أربعة أشهر يصلون ليلهم بنهارهم حتى عدوا آيات القرآن العظيم وكلماته وحروفه، وقسموه إلى أجزاء وأحزاب وأرباع.

لم يكن المصحف الشريف يحمل رموزاً تشير إلى هذه التقسيمات الجديدة، وإنما كان مجرداً ليس فيه إلا الحرف، ثم استحب النساخ كتابة العناوين في رأس كل سورة، وحتى يميزوها عن جسم القرآن كي لا يعتقد الناس بأنها من القرآن، وكتبوها بالذهب وبلون مغاير وجعلوا لها خطاً مورقاً، كما وضعوا رموز الفاصلة عند رؤوس الآيات، فاستخدموا في البدء نقطة، ثم تطور لدائرة ثم لمجموعة من الدوائر على شكل مثلث، ثم تطور الشكل إلى دائرة زخرفية أدخلوا فيها حرفاً ليدل على رقم بطريقة حساب الجُمَّل.

استخدم المسلمون الأوائل حرف الهاء ضمن دائرة بعد كل خمس آيات للدلالة على الرقم خمسة، وسموا ذلك بالتخميس، ووضعوا عند رأس كل عشر آيات حرف ياء للدلالة على العشرة وسموا ذلك بالتعشير، ووضعوا حرف هاء مذهب عند كل آية فيها سجدة، ظل نقط أبي الأسود في شكل الحروف وضبطها متبعاً حتى ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني الهجري فابتكر أشكالاً جديدة ورموزاً وصوراً جعلها بدل نقط أبي الأسود الحمراء، وبدل النقاط الصفراء والخضراء وغيرها وأراح الناس من مشق الكتابة بالألوان، ورغم سهولة أشكال الخليل فقد بقي بعض الكتاب يستعملونها حتى نهاية القرن الخامس الهجري، لقد وضع الخليل ثماني علامات للرموز الصوتية أبدلها نبقط أبي الأسود وهي " الفتحة " التي رسمها ألفاً مبطوحة فوق الحرف، و" الخفضة " الكسرة ألفاً مبطوحة تحت الحرف، و" الضمة " واو صغيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير