تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولا يعلم بالضبط متى كان الوقت والزمن التي نضجت به واكتملت وأصبحت لغة السحر والبيان، ولكننا نعلم أن الله -سبحانه وتعالى- قد أحاطت عنايته بها فجعلها لسان رسالته، ولغة قرآنه وكان لذلك من الأثر الجليل الخطير فوق ما نتخيل ونتصور.

فلم يكتف القرآن أن كان في صدر الإسلام سبيلاً لوحدتها، وطريقًا لصفائها وعاملاً أقوى في لم شعثها وإنما كان فوق ذلك الولي الأمين وكان من أثر القرآن العظيم في اللغة العربية أن ساعد على مد نفوذها وانتشار رقعتها فحملها معه إلى كل قطر ودخل بها كل بلد وأتاح لها الأجواء الواسعة والعوالم الجديدة ومكن لها أن تتفاعل مع اللغات الأخرى فازدادت ثروة وغنى.

العربية هي لسان القبائل التي تمتد على رقعة شبه جزيرة العرب، ولكل قبيلة لهجة خاصة بها إلا أن أرقى هذه اللهجات وأعذبها هي لهجة قريش مع أن لكل قبيلة هِنَةً أو أكثر.

والقبائل هي قضاعة وقبائل اليمن وحمير وهذيل وتميم وأسد وربيعة وكلب وشيحر وعمان وطئ وسعد والأجد وقيس والأنصار وغيرهم.

لقد استعمل العرب لغتهم في جزيرتهم لأغراض الحياة البدوية ووصف مرافقها من حل وترحال ونتاج حيوان وانتجاع كلأ واستدرار غيث وفي إثارة المنازعات والمشاحنات من إدراك الثأر والتفاخر بالانتصار والتباهي بكرم الأصل والنجار وفي شرح أحوال المشاهدات والإخبار عن الوقائع والقصص وغير ذلك مما يلائم بيئتهم ويناسب طباعهم، ولغة التخاطب عند العرب بعد أن توحدت لهجاتها هي اللغة المستعملة في الخطابة والشعر والكتابة.

لقد كان الشاعر لسان القبيلة، عنها يدافع ومن أجلها يقول الشعر ويخوض الخصومات، وهو أحد أعضاء الوفود، ومنزلة الشاعر من أرفع المنازل في القبيلة والأخبار تدل على ذلك، ولم يكن الشعر مظهرًا فنيًا فحسب وإنما كان المجتمع يحس أن وراء الشعر وشعره قوة جذب خاصة لا يتمتع بها الأفراد العاديون في القبيلة.

وللشعر قوة لا يمكن الوقوف عليها بشكل واضح وإنما يمكن تمثلها حين نذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رُميَ بأنه كاهن وساحر وشاعر، وبذلك رُميَ القرآن العظيم أيضاً فكأنما كان وراء هذه الكلمات إشارة إلى بعض هذه القوى الخفية والتي لم يستطع العربي إدراكها ولذلك جاء القرآن العظيم بلغة وكلام ظن فيها العرب السحر لما فيه من إعجاز وسحر بيان، وكذلك كانت الدعوة الإسلامية المتمثلة في القرآن العظيم المنعطف الأكبر في حياة العرب لقد كان العرب في جاهليتهم أممًا بدوية يعقدون الأسواق التجارية وفيها اللغة والجماعة والإذعان للأشراف والفصحاء والنبلاء من قريش وتميم وغيرهم.

وهذا ما هيأهم ليجتمعوا تحت لواء واحد ويتفاهموا بلسان واحد إن شيوع اللهجة القرشية واندماج سائر اللهجات العربية فيها بتأثير الأسواق والحج جعل القرآن بلغتهم والنبي فيهم وانتشار الدين على أيديهم.

لقد نزل القرآن العظيم: ? كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ? [هود: 1] فيه آيات بينات ودلائل واضحات وأخبار صادقة ومواعظ وآداب وشرائع وأساليب، ? لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ? [فصلت: 42].

وكان له الأثر البين في توحيد اللغة ونشرها وترقيتها من حيث أغراضها ومعانيها وألفاظها وأساليبها، وقد أثر القرآن العظيم في اللغة تأثيرًا لم يكن لكتاب ذلك على مر التاريخ، لقد أصبحت اللغة بفضل القرآن العظيم حية خالدة من بين اللغات القديمة التي انطمست آثارها وصارت في عداد اللغات التاريخية الأثرية.

كما أن القرآن العظيم قد أحدث فيها علومًا جمة لم تكن لولاه ولم تكن لتخطر على قلبه وهي علوم اللغة والنحو والصرف والاشتقاق والمعاني والبديع والبيان والأدب والرسم والقراءات والتفسير والأصول والتوحيد والفقه.

وطبيعة لغة القرآن هي من النثر الذي لم يجرِ على مألوف العرب في النثر والسجع، بل هو آيات وفواصل فيه الذوق السليم بانتهاء الكلام الذي يضم جوامع الكلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير