تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلو لنفسه في غار حراء وفي يوم الإثنين من شهر رمضان جاءه جبريل بغتة لأول مرة، تقول عائشة -رضي الله عنها-: (فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني، -أي ضمني وعصرني - حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ? حتى بلغ ? مَا لَمْ يَعْلَمْ ? فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر قال: قد خشيت على نفسي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها وكان امرأً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً فقالت له خديجة: اسمع من ابن أخيك فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما رأى فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني كنت فيها جذعًا أكون حيًا حين يخرجك قومك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أومخرجي هم؟ قال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي).

إن ظاهرة الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية، إذ تلقى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القرآن من جبريل -عليه السلام- وبالتالي فلا صلة لظاهرة الوحي بالإلهام أو التأمل الباطني، إن التحليلات التي قدمها المستشرقون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين لظاهرة الوحي متناقضة لا يمكن الوقوف عندها إذ إنهم لم يقدموا التفسيرات الصحيحة وإنما قدموا الاتهامات القديمة التي سبق أن قالها عرب الجاهلة في مكة عند نزول الإسلام مما رده القرآن.

قال تعالى يحكي تلك الاتهامات: ? إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ? [النحل: 103] وقال: ? إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ? [الفرقان: 4] وفي القرن العشرين يقول المستشرقون: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعلم من ورقة بن نوفل ومرة يقولون: من بحيرى الراهب وأحياناً يرددون أنه تعلم من يهود مكة ونحن نعلم أن مكة لم يكن فيها يهود، وأن لقاءه ببحيرى لو ثبت لا يعود الساعة أو الساعتين وهو غلام في الثانية عشرة من عمره وأن التوراة والإنجيل لم يترجما إلى العربية إلى بعد عدة قرون.

إن التشابه بين القصص في القرآن والتوراة والإنجيل يرجع إلى وحدة المصدر الإلهي، بالرغم من أهواء بعض الدارسين الذين يقولون بأن القرآن قد اقتبس قصصه من التوراة والإنجيل، أما قصة بحيرى فهي أن أبا طالب عم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد اصطحبه في سفرة تجارية إلى الشام وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صغيراً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره على اختلاف الروايات وقد دعا راهب يدعى بحيرى في مدينة بصرى رجال القافلة القرشية إلى طعام، حيث تعرف على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من خلال صفاته وأحواله فعرف أنه يتيم وأنه يحمل خاتم النبوة بين كتفيه ورأى الغمامة تظله من الشمس وفيء الشجر يميل عليه عندما ينام إليها.

وتختم الرواية القصة بتحذير الراهب لأبي طالب عم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من اليهود والروم.

لقد حاول بعض المستشرقين أن يبني على هذه القصة اتهامات فيها مجازفة علمية حين زعموا أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تلقى علم التوراة عن بحيرى، فكيف يكون ذلك وهو لم يلتق به إلا في ساعة طعام ولم تكن التوراة قد نقلت إلى العربية وما بين بعثته -صلى الله عليه وسلم- ولقاءه ببحيرى أكثر من ثمانية وعشرين عاماً؟!!!

بالإضافة إلى أن المصادر لا تكاد تتفق على شيء بشأنه، وهي متضاربة في اسمه، فمرة هو جرجس وأخرى جورجوس ومرة أنه مشتق من الآرامية وأخرى من السريانية ومرة لعبد القيس ومرة هو نصراني وأخرى يهودي والأخبار متضاربة في هذه الرواية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هناك تلفيقًا وتطويرًا حولها لا يمكن أن يطمئن له الإنسان إن أخضعه للبحث والدراسة.

إن القرآن العظيم هو أساس الإسلام وكتاب العربية الأول والأكبر وعليه يتوقف دين المسلمين ودنياهم وقد عظم الله -سبحانه وتعالى- حال القرآن: ? تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) ? [طه: 4]، وهو يعرض على الناس أحوال الأمم والفرق التي غبرت، وهو من الناحية الموضوعية يحرر الإنسان من ذل العبودية والخضوع للفرد إلى عبودية الله الواحد الجبار.

ولا ينافر العلم ولا يخاصمه ويعلي سلطان العقل ويحفز الناس للنظر والتفكير ليحفظهم من مزالق الخرافات والأوهام ويعتقهم من الجمود والرق، ويبث فيهم الشعور بالكرامة، وهو أطول الكتب السماوية التي تقدمت قال تعالى: ? وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) ? [الزخرف: 4].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير