تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:37 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (12)

بزغت شمس الإسلام، وكان بزوغها إيذانًا بنهضة كتابية عظيمة تمثلت في حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعلم الصحابة الكتابة وتدوين القرآن العظيم منذ فجر البعثة النبوية، ولم تكن الكتابة قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- منتشرة بين القبائل العربية وناضجة متطورة، وإنما كانت موجودة في الحواضر والمدن، وفيمن يسوس القوافل التجارية من القبائل كقبيلة قريش وبهذا يقول ابن فارس: " فإنا لم نزعم أن العرب كلها مدرًا ووبرًا قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها وما العرب في قديم الزمان إلا كـ نحن اليوم فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة".

وتشير الرواية العربية أيضاً إلى ممارسات كتابية متعددة سواء في مدن الحجاز أو في الحواضر العربية في أطراف الشمال، ففي مكة حررت بعض العهود والمحالفات وفي أطراف الجزيرة العربية كانت الكتابة في إمارة المناذرة في الحيرة منتشرة وما قصة الشاعرين الملتمس وطرفة وكتاب ملك الحيرة للبحرين إلا دليل على ذيوع الكتابة في الحيرة والأنبار والبحرين.

وفي أطراف الشام كانت الكتب في أولاد جفنة الغساسنة وعمال قيصر معروفة.

وكذلك كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل أيلة وتيماء وجرباء وأذرح، وإلى ملوك حمير وإلى غيرهم وهذا كله يعطينا صورة واضحة على أن الكتابة في بلاد العرب ذائعة منتشرة بالرغم من قلتها لا من بداوتها.

إن أصل الكتابة العربية التي دُوِّنَ بها القرآن العظيم قد اختلف فيه الناس إلى عدة مذاهب، فمنهم من أوقفه إلى الله سبحانه وتعالى، ومنهم من نسبه لآدم وإلى شيث واعتبر "أبجد هوز حطي كلمن" أسماء قوم وضعوا العربية، ومنهم من سماه الجزم لأنه اقتطع من المسند الحميري، ومنهم من يرى انتقاله من اليمن للحيرة ثم إلى الطائف فقريش.

إن هذه الآراء لم تصمد أمام الدراسات البليوجرافية الحديثة التي نسختها، ومن ثم بينت بالبحث أن الكتابة العربية مشتقة من الكتابة الأنباطية وهي بدورها مشتقة من الآرامية.

إن الأبجدية العربية تشارك كثيرًا من الأبجديات السامية في ترتيب الحروف، وهناك دلائل تشير إلى أن العرب كانوا يسيرون على نهج أبجد هوز في الترتيب واستخدموها في أشعارهم وكذلك استخدموها قيمًا عددية في الحساب، وأما ترتيب الحروف العادي المألوف المتبع في زماننا الحاضر فهو ترتيب متأخر حدث في الإسلام ولذلك نجد أن الحروف الستة التي انفردت بها العربية عن أخواتها الساميات وسميت بالروادف وضعت في نهاية سلسلة أبجد، وهذا دليل على الرباط الذي يربط الكتابة العربية بالخطوط السامية الأخرى.

إن كثرة الكتب التي سطرها كتبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك والأمراء والوفود تثير الانتباه وتوضح بما لا شك فيه ذيوع وانتشار الكتابة العربية.

فقد ذكر ابن سعد أكثر من مائة وعشرة كتب، وذكر الدكتور محمد حميد الله في كتابه مجموعة الوثائق السياسية مائتين وستة وأربعين كتابًا ورسالة ترجع للعهد النبوي.

وكل هذا جزء يسير مما روي في أمر الكتابة، ويقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يحتفظ بصندوق مليء بالعهود والمواثيق وقد احترقت سنة اثنتين وثمانين للهجرة.

ويبدو أن عامل التلف الذي أصاب تلك الوثائق يوضح لنا ندرتها وعدم وصولها إلينا، ويكفي أن نأخذ فكرة عن الكتابة مما وصل من نقود العصور الإسلامية لنتبين وضوح تطور الحرف الذي سار على هدي كتابة القرآن والتي تمت في مكة المكرمة وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم –.

يقسم العلماء الأصوات اللغوية إلى قسمين: أصوات صامتة وأخرى متحركة وكان نظام الكتابة عند الفينيقيين يتكون من اثنين وعشرين رمزًا تكتب منفصلة وتشير إلى الصوامت دون الإشارة إلى صوت حركي قصير أو طويل واستخدمت الفينيقية اللغة الآرامية ومع مرور الزمن ظهرت الحاجة لتمثيل الحركات، وتمكن نساخ الآرامية في القرن التاسع والثامن قبل الميلاد استخدام رمزي الياء والواو الصامتين، وتطورت الآرامية خلال عدة قرون دون أن تخطو في تمثيل الحركات، وعندما استخدم الأنباط الآرامية ورثوا النظام الصامتي مع الضمة والكسرة بالواو والياء وهذا ما يشير إليه نقش النمارة التي وردت فيه الكلمات: أبوجي أبوها مقيم مقيم وألول أيلول. وفي نقش أم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير