تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجمال جزيمة وتنوخ وبنيه وروم وكل هذه الكلمات تشير إلى استخدام رمزي الواو والياء الصامتين للدلالة على الكسرة والضمة.

ونجد هذا أيضاً في جميع النقوش المكتشفة في بلاد الشام وفي ذلك دليل للرسم الإملائي القرآني الذي ورثته الكتابة الأنباطية عن الآرامية، وأما رمز الفتحة الطويلة فإن الكتابة الآرامية لم توفق كما هي في الضمة والكسرة لكن الكتابة الأنباطية استطاعت أن تستخدم رمز الألف للدلالة على الفتحة الطويلة في آخر الكلمات دون وسطها كحارثة ومالك وسلام ونزار ونجران وغير ذلك كما في النقوش.

وبذلك أخذت الكتابة العربية عن الأنباطية رموز تمثيل الحركات باستخدام رموز الصوامت الألف والواو والياء، نلاحظ ظاهرة أخرى في النقوش النبطية وهي ظاهرة كتابة التاء المبسوطة في حارثة وجزيمة وهي تاء تأنيث مما يؤكد ارتباط الكتابة العربية الوثيق بالأنباطية.

نتيجة لهذا الارتباط بين الكتابة العربية والكتابات السامية فقد حملت الكتابة العربية كثيرًا من ميزات وخصائص الكتابات السامية عامة والنبطية خاصة.

فهي تستعمل رمزًا واحدًا لعدة أصوات مختلفة، وقد ظل هذا الحال في الرسم ساريًا حتى منتصف القرن الهجري الأول حين استخدمت النقط للتمييز بين الرمز المتفقة في الرسم القرآني.

كان القرآن العظيم أهم شيء حمله المسلمون إلى البلاد التي وصلت إليها حركة الفتوح، وكانت تعلم القرآن وتلاوته أهم ما يشغل بال الداخلين في الدين الجديد فظهرت لذلك في الأمصار الإسلامية مدارس لتعليم القرآن وقراءته وازدادت حركة نسخ المصاحف ومرت سنوات والمصحف آخذ في تحسين الصورة الخارجية للكتابة العربية والرسم الإملائي، وكما اشتهر آمة بالإقراء في الأمصار كذلك كان من وجه عنايته للكتابة والرسم وضبط المصحف على ما جاء في المصحف الإمام.

وهكذا وصلتنا المصاحف المنسوخة من الأمهات كما هي في طريقة رسم الكلمات، وكان إمام الرسم الإملائي والكتابة في المدينة المنورة هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم المتوفى سنة تسع وستين ومائة هجرية وقد نقل عنه تلامذته ما رواه في رسم المصحف وكتبوه كما أشار.

وفي البصرة كان عاصم بن أبي الصباح الجحدري المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة هجرية، وفي الكوفة حمزة بن حبيب الزيات، وفي دمشق الشام كان أبو الدرداء الصحابي الجليل، وهؤلاء الأئمة هم عماد الرسم في كلمات المصحف العظيم.

لقد غَفِلَ بعض المستشرقين الذين تعرضوا لدراسة تاريخ القرآن العظيم عن حقيقة هامة حين درسوا مظاهر الكتابة هي أن القرآن العظيم لم ينزل كتابًا مخطوطا وإنما أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- مشافهة، فكان يتلوه على الناس من حفظه لا من كتاب وهم يسمعونه ويحفظونه ولم تكن الكتابة هي الوسيلة في نشر القرآن وتعليمه رغم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرص منذ البداية على كتابته وتدوينه، وهو حين أراد أن يعلم أهل المدينة القرآن قبل الهجرة لم يعطهم مصحفًا مخطوطًا يقرؤونه وإنما أرسل معهم مقرئًا يقرأ القرآن فيسمعونه، وحين طلب يزيد بن أبي سفيان من الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من يعينه على تعليم أهل الشام القرآن لم يرسل إليه عمر المصاحف مخطوطة يقرؤون فيها وإنما أرسل ثلاثة من كبار الصحابة.

والقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، لقد غَفِلَ هؤلاء المستشرقون عن ذلك فظن بعضهم أن كثيرًا من القراءات جاءت نتيجة الرسم الإملائي العثماني وذلك لتجرده عن علامات الحركات وتمييز الحروف المتشابهة.

نشأت الدراسات العربية بفروعها المختلفة في أحضان القرآن العظيم، فكان المحور الذي دارت حوله الدراسات سواء التفسير منها أو ما يتعلق باللفظ وقامت دراسات لفهم مصدر التشريع والرسم الإملائي وكانت مظاهر أثر الإسلام على الكتابة العربية جليلة عظيمة نقلتها من كتابة محصورة في المعاملات التجارية لبضع جماعات من العرب إلى كتابة عالمية تخدم حاجات الدولة المترامية الأطراف وأصبحت خط أقوام انصهروا فيها لأنها كتابة القرآن واستبدلوها بكتاباتهم وخطوطهم وأصبح الخط العربي السيد المتربع على عرش الخطوط واللغات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير