تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الرسم العثماني في الكتابة العربية يضع أمامنا النموذج الصادق لحال الكتابة والخط العربي في النصف الأول من القرن الهجري الأول، حين كان الناس لا يحسون بالفرق بين كتابتهم وما يجدونه في المصحف الشريف وكان أكثر الصحابة -رضوان الله عليهم - ومن وافقهم من التابعين وأتباعهم يوافقون الرسم العثماني المصحفي في جميع ما يكتبون ولو لم يكن قرآنًا ولا حديثًا.

واستمر ذلك حتى ظهر علماء البصرة والكوفة وأسسوا لفن الكتابة والخط ضوابط وروابط بنوها على أقيستهم النحوية وأصولهم الصرفية، وسموها علم الخط القياسي أو الاصطلاحي، وسموا رسم المصحف بالخط المتبع، وإن أكثر الظواهر الكتابية التي تظهر في الرسم العثماني مرسومة على قاعدتين قد مالت إلى التوحد.

وكان علماء العربية يرعون هذا الاتجاه ويضعون له القواعد والضوابط التي توضحه وتيسره.

إن ذلك الاتجاه أثر في ناحيتين واحدة في ظهور الكتب والرسائل التي توضح القواعد المتطورة لرسم الكلمات، والأخرى تصف كيفية رسم الكلمات في المصاحف كي يحافظ الناس في كتابتهم للمصاحف على صورة كتابة المدينة المنورة.

وقد ظهرت حركة التأليف في هذا الشأن منذ مطلع القرن الهجري الثاني ولعل التأليف في الرسم المصحفي سابق للتأليف في موضوع الإملاء يقول المستشرق بروكلمان: "بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا يؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمن طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية".

القرآن ولغته يصنعان وحدة وثيقة ممتدة هي وحدة الفكر والعقل والمشاعر بين مئات الملايين من المسلمين، لا في نطاق محلي أو قومي فحسب، ولكن في مختلف أرجاء الأرض، والحق أن القرآن ولغته يمكنان كل منهما للآخر، فهو يهذب العربية ألفاظاً وأغراضاً وعبارات وأفكاراً ويقوي سلطانها منطوقة ومكتوبة.

لقد وصل الخط العربي بفضل القرآن إلى أمم كثيرة فاستخدمته ونبذت حرفها، كما جرى في بلاد الفرس وأفغانستان وفي إفريقية في لغاتها البربرية والنوبية والسواحلية والحوسية والملجاشية والحبشية، وفي لغات الأتراك من عثمانية وتترية وقرمية وداغستانية، وفي الأردية الهندية والباكستانية والكشميرية، هذا هو القرآن قال تعالى: ? لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) ? [النحل: 103].

اختار الله - سبحانه وتعالى- لكتابه أسماءً لم تكن على مألوف العرب ولم تكن لتجري على ألسنتهم جملة وتفصيلاً وحملت تلك الأسماء جملة من أسرار التسمية وموارد الاشتقاق.

ولقد اشتهر من الأسماء التي اختارها - جل شأنه- الكتاب والقرآن وفي تسميته بالكتاب تنويه إلى جمعه في السطور، فالكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ، وفي تسميته بالقرآن إيماءة إلى حفظه في الصدور فالقرآن مصدر القراءة وفي القراءة استذكار.

وهذا الوحي العربي قد كُتب له من العناية والحرص ما جعله في مأمن وحزر ونجوى من عبث العابثين وتلاعب المحرفين، ولم ينقل كغيره من الكتب بالكتابة وحدها، ولا بالحفظ وحده بل وافقت كتابته تواتر إسناده، لقد وردت كلمة الكتاب في كلام الله - سبحانه وتعالى- في قرآنه العظيم مائتين وثلاثين مرة، قال تعالى: ? نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ? [آل عمران: 3] وقال: ? وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ? [النساء: 113] ووردت كلمة القرآن في كلامه - سبحانه وتعالى- سبعين مرة قال تعالى: ? وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) ? [النمل: 6] وقال أيضاً ? أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) ? [الإسراء: 78]، وقال تعالى: ? قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) ? [الجن: 1].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير