تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي الشام قراءة اليحصبي المشهور بابن عامر المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة للهجرة وتلقى القراءة من المغيرة المخزومي عن عثمان بن عفان، وفي البصرة قراءة أبي عمرو بن العلاء المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة هجرية، وفي الكوفة قراءة كل من حمزة وعاصم وحمزة هو ابن حبيب الزيات المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة هجرية، وعاصم هو ابن أبي النجود الأسدي المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة هجرية.

لقد حظيت قراءة هؤلاء السبعة من لدن ابن مجاهد بشهرة واسعة حتى توهم كثيرون أن المراد بالأحرف السبعة هي هذه القراءات، والحق أن ثمة ضابطاً إذا توفر في قراءة ما وجب قبولها، ويتوفر هذا الضابط في القراءات العشر والقراءات الأربع عشرة، وأما القراءات العشر فهي القراءات السبع مضافاً إليها قراءة يعقوب وخلف بن هشام ويزيد بن القعقاع والأربع عشرة فبزيادة الحسن البصري ومحمد بن محيصن ويحيى بن المبارك اليزيدي وأبي الفرج الشنبوذي، ولا تقبل قراءة مقرئ إلا إذا ثبت أخذه عمن أخذ بطريقة المشافهة والسماع حتى يتصل الإسناد بالصحابي الذي أخذ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

كما عني بعض اللغويين والنحاة بتتبع القراءات الصحيحة منها والشاذة، فألف ابن خالويه المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة وألف هجرية كتاباً في القراءات سماه المختصر في شواذ القراءات، وصنف ابن جني كتابه المحتسب في توجيه القراءات الشاذة، ووضع أبو البقاء العكبري كتاباً أوسع وأشمل سماه إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن.

إن تنوع القراءات في الحقيقة هو السبيل إلى فهم النصوص القرآنية وما دام القرآن قد أُنزل على سبعة أحرف فنحن ندرسها جميعاً في كل قراءة تواترت محتوية على حرف منها، وعمادنا الأصح في النقل ولأننا نجعل القرآن العظيم حكماً على قواعد اللغة والنحو، ولا نجعل القواعد حكماً على القرآن، فما استمد النحاة قواعدهم إلا من القرآن بالدرجة الأولى ثم من الحديث بالدرجة الثانية ثم بكلام العرب.

لكل حادثة سبب ولكل حدث مقدمة سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً لا شيء كالتاريخ يشهد بصدق هذه السنة وانطباقها على الأحداث، ولا يمكن للمؤرخ أن يجهل أسباب الحوادث إذا أراد الوصول إلى الحقيقة من خلال الوثائق، ففي الأدب لابد من معرفة أسباب القصيدة حتى يمكن للأديب شرحها مهما حمل في زاده ثروة لغوية وتميز بحس ناقد واغتنى بالمعرفة لأسرار الألفاظ، فأسباب القول وسبب القصيدة يميط اللسان عن غوامض كثيرة في فهم النص وما يريده الشاعر والأديب.

ولئن كانت معرفة جو القصيدة تعين على الفهم فإن معرفة قصة الآية والأسباب التي اقتضت نزولها في القرآن الكريم أعون على دقة الفهم وأدنى لاستلهام أرجح التأويل وأصح التفسير.

ونحن من القرآن العظيم أمام شيء يفوق اللغة وقواعدها وآدابها، ونحن من القرآن أمام شيء يفوق التأريخ نفسه، فإن وقفنا على أسباب النزول التاريخي فستبقى أشياء أخرى كثيرة تفوتنا لفهم النص ولتفسير الحدث.

لقد حرم علماؤنا المحققون الإقدام على تفسير كتاب الله لمن جهل أسباب النزول، فقال الواحدي: " لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.

والتعبير عن سبب النزول في القصة ينم عن ذوق رفيع ويجعل القرآن في كل زمان ومكان يتلى بشغف وولوع، وكثيرًا ما يوقع جهل أسباب النزول في اللبس والإبهام، فتفهم الآيات على غير وجهها، ولا يصيب الحكمة من تنزيلها، كما حدث لمروان بن الحكم حين توهم أن قوله تعالى: ? لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ? [آل عمران: 188]، ظنه وعيدًا للمؤمنين فقال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: " لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون" فقال ابن عباس: ومالكم ولهذه، إنما دعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ ابن عباس: ? وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ ? حتى قوله: ? يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير