تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ? [آل عمران: 187: 188]، فلم يُزَل الإشكال إلا بمعرفة سبب النزول، ولولا سبب النزول لظل الناس إلى يومنا هذا يبيحون تناول المسكرات وشرب الخمور أخذا بظاهر قوله تعالى في سورة المائدة: ? لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ? [المائدة: 93]، فقد حكي عن عثمان بن مظعون أنهم كانوا يقولون الخمر مباحة ويحتجان بهذه الآية، وخفي عليهما سبب نزولها فإنه يمنع من ذلك، وهو ما قاله الحسن وغيره لما نزل تحريم الخمر قالوا كيف بإخواننا لذين ماتوا وهي في بطونهم وقد أخبرنا الله أنها رجس فأنزل الله تعالى ? لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ?.

ولولا معرفة أسباب النزول لأباح الناس لأنفسهم التوجه في الصلاة إلى الناحية التي يرغبون عملاً بقوله تعالى: ? وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة: 115]، والذي يطلع على سبب نزول الآية سيدرك أن نفرا من المسلمين صلوا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في ليلة مظلمة فلم يدروا كيف القبلة فصلى كل رجل منهم على حاله تبعًا لاجتهاده فلم يضع الله لأحد منهم عمله وأثابه، ولو لم يتجه إلى الكعبة لأنه لا سبيل لذلك في ليل بهيم وإذا كانت الآيات قد نزلت جوابا لسؤال أو حادثة أو واقعة فإن كثيراً منها جاءت للإخبار والعبرة أو لتصوير قيام الساعة ومشاهد القيامة وأحوال النعيم والجحيم من غير ما سؤال أو حادثة.

فسبب سورة الفيل هي الإخبار عن وقائع ماضية كخبر نوح وعاد وثمود وبناء البيت وكذلك ذكره في قوله: ? وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ? [النساء: 125].

وينقسم تعريف المصطلح بأسباب النزول إلى قسمة ثنائية لآيات القرآن العظيم، فالأول معرفة السبب، والثاني لا علاقة له بسبب أو حادثة.

إن الحديث في أسباب النزول يحتاج إلى التحقق من وقوع المشاهدة والسماع للحادثة والسؤال الذي كان سبب نزول شيء من القرآن.

لذا قال الواحدي: ولا يحل القول في أسباب نزل الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلب.

ولقد تعرضت تصانيف القدامى في أسباب النزول للتمحيص الشديد من قبل المحدثين بالرغم من ورع مؤلفيها وحذرهم العلمي.

إن كثيراً من آيات القرآن الكريم وقصصه نزلت من غير حادثة أو سبب، وإنما للعبرة والعظة والإرشاد، ولا يمنع أن يكون لها سبب ولكنها تفهم من غير سبب، وكذلك كثير من الأحكام في القضايا التشريعية.

وما أكثر الآيات التي وضعت في السطور حسب الحكمة ترتيبًا وحفظت في الصدور حسب الوقائع تنزيلاً.

إن قوله تعالى في سورة النساء: ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ? [النساء: 51]، قد نزل في كعب بن الأشرف وكان قد قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فسألوه: من أهدى سبيلاً المؤمنون أو هم؟ فتملق عواطفهم وقال: بل أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا.

بعد هذه الآيات يتجه القرآن العظيم إلى نسق آخر يدور حول الأمانة وأدائها فيقول جل شأنه: ? إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ? [النساء: 58]، ويقول المفسرون: إن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة العبدري حاجب الكعبة لما أخذ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه.

وما دامت الآية هذه قد نزلت في الفتح وتلك نزلت في كعب عقب بدر فإن بينهما ست سنين، فلماذا جعلت الآية هذه إلى جانب تلك؟

إن موضوع الأمانة مشترك بين المقطعين، فأمانة المواثيق في أهل الكتاب خانها أصحابها وحالهم كحال الذين يحملون الأمانات ثم لا يحملونها.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف ختم سورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم)

وأخبر عبد الله بن مسعود قال: (كنا لا نعلم فصل ما بين سورتين حتى نزل بسم الله الرحمن الرحيم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير