تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم في مطلع كل سورة من سور القرآن العظيم التي بلغ عددها مائة وأربع عشرة سورة حرك لدى القارئ بالهيبة من جلال ذكر اسم الله بإيقاع منتظم في حياته، فقد استحبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي آية من آيات القرآن العظيم نستفتح بها ولها ارتباط مباشر بسلوك المسلم اليومي، يرددها عند دخوله منزله وفي بدء طعامه وشرابه ويكتبها في مطلع رسائله وعقود بيعه وشرائه، كل ذلك شغل الخطاط على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان، فما إن خطت الحروف الأولى للقرآن العظيم وبدأت ببسم الله حتى استفاض خيال الكاتب والخطاط في رسم حروف البسملة فرسم في البدء الحرف وأبدع في دراسة المسافة بين الحروف وعانق وشبك حرف السين ومطط في طولها وأطال المسافة فيما بين الحاء والياء والميم، وأعطى الألف شكلاً رخيمًا يعبر فيه عن عظمة الله وجلاله في الحرف الأول من اسمه جل شأنه.

ولم يمضِ القرن الهجري الأول حتى خُطت البسملة في المصاحف بأشكال وأفانين مختلفة، وأخذت أبعادًا فنية تحول فيه الخط من أسلوب كتابي إلى فن تشكيلي، وبالإضافة إلى الأشكال التزيينية التي رافقت كتابة اسم السورة بالذهب لتمييزها عن كتابة كلمات القرآن العظيم التي طور فيها الخطاط المسلم أشكال الحروف وأرسل لخياله العنان، فإن كتابة بسم الله الرحمن الرحيم أخذت أشكالاً لم تكن لتخطر على بال لولا عناية المسلمين بكتابهم العظيم.

لقد ظل المصحف الشريف يسير على نهج الكتابة اليابسة حتى القرن الخامس الهجري، ولم تكن الحروف على هذا المدى الطويل لتقف بجمود دون تطور، وإنما اتخذت فيها البسملة أشكالاً عديدة، ومن الخط اليابس الكوفي اشتقت خطوط ومن البسملة صيغت مئات الهيئات والأشكال في رسوم متناغمة متشابكة معشقة توحي بإبداع وخصب الخطاط المسلم الذي استمده من قرآنه العظيم الذي وجد فيه مادة غنية تعينه على فهم حياته وسر وجوده، فكان أن انطلق من روح شفافة ليكتب كلام الله في وحدات مبتكرة لم تكن موجودة من قبل.

لقد جاء القرن الخامس الهجري وتطورت الخطوط والكتابات ولم يعد للخط اليابس الكوفي شأن يذكر في كتابة المصاحف، وتحولت الخطوط اليابسة إلى خطوط لينة، فاستفاض خيال الخطاط المسلم ليبتكر من جديد في هيئات الحروف، ويضع النسب والمقاييس في كتابة البسملة وليحدد الأطوال والأبعاد والانضجاعات في تقعير النون وغير ذلك من الحروف، وتولدت خطوط لينة في العصر الأموي والعباسي والسلجوقي والزنكي والأيوبي والفاطمي والمملوكي والعثماني وجنح الخطاطون بخطوطهم لابتكار الأنواع والهيئات، فكان أن ولد الخط النسخي والثلث بحققه وجليه والمسلسل والإجازة والرقعة والتعليق وغير ذلك، وبهذه الأنواع توجت البسملة بأنواع لا حصر لها وأشكال لا عد لها، وحين وصل الخطاط إلى هذا القدر وهو يكتب كلام ربه - جل وعلا- ابتكر مجموعة من التركيبات حل بها البسملة فإذا هي مجموعة تارة مبسوطة أخرى، وفي كل ذلك تعبير عن روعة الحرف وعن قدسية وقداسة اسم الله في تركيب الخطوط.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:33 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (14)

تعود الصلات بين بلاد الشام والجزيرة العربية إلى أزمان بعيدة في التاريخ، ولقد تمثلت الصلات هذه في صورة شتى من العلاقات التجارية والفكرية والسياسية واتخذت بعض القبائل العربية أرض الأغوار الجنوبية في بلاد الشام مواطن لها في إمارات تتبع الدولة الرومانية وتخضع لسلطانها، وكان حكم الرومان في بلاد الشام حكماً ظالمًا جائرًا فرض فيه الحكام على أهل الشام كثيراً من الضرائب.

وما إن تسامع الناس في بلاد الشام بالإسلام ومبادئه حتى تداعوا إليه هربًا وخلاصًا من الظلم، وشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن عقد الهدنة مع قريش في صلح الحديبية يبلغ الرسالة، فكتب إلى الملوك يدعوهم للدين الجديد، وبعث دحية الكلبي بكتاب إلى قيصر الروم يدعوه إلى الإسلام ولكن قيصر أبى واستكبر وفي السنة السابعة للهجرة أرسل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جيش الأمراء لبلاد الشام فكانت غزوة مؤتة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير