تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم غزا بعدها بزمن أرض تبوك، ولما عاد من حجة الوداع جهز جيشًا للشام بإمرة أسامة بن زيد، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لبث أن قُبض، فتوقف مسير جيش أسامة، واستُخلف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وارتدت القبائل العربية وشغل الخليفة بحروب الردة، ومع ذلك أرسل جيش أسامة فأوقع بقبائل قضاعة ثم عاد بعد أربعين يوماً، وعبّأ أبو بكر -رضي الله عنه- الجيوش وأرسلها للشام في السنة الثالثة عشرة للهجرة، وأوصى يزيد بن أبي سفيان قائلاً: "إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددت إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك، فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربًا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعدية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضًا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصلي الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم، وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خللك ويعلموا علمك، وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تحزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأستار، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة، فإنها أيسر همًّا لقربها من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها، ولا تخذلها مدفعًا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده، ولا تجسس عليهم فتفضحهم، ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتفِ بعلانيتهم ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء واصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له".

وقبض أبو بكر -رضي الله عنه- وتولى الخلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفتحت دمشق في السنة الرابعة عشرة للهجرة، وبعد وفاة واليها يزيد بن أبي سفيان تولى معاوية من قبل الخليفة عمر في السنة الثامنة عشرة للهجرة.

لما فتحت بلاد الشام كانت أشبه بنصف عربية، فقد حكمها الغساسنة في الجنوب والتنوخيون في الشمال، وكانت القبائل والبطون العربية في أرجاء تدمر والفرات وغزة وسيناء، وكان جبلة بن الأيهم من ملوك الغساسنة وقصة إسلامه وحجه وارتداده زمن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- معروفة.

لقد جمع القرآن العظيم زمن أبي بكر -رضي الله عنه- وربط بخيط وسمي مصحفًا، وانتشر في الأمصار مع الفتوحات.

وفي زمن عمر -رضي الله عنه- فتحت بلاد فارس طولاً وعرضًا وفتحت الشام كلها ومصر كلها، ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف، وقرأ الأئمة القرآن وعلموه الصبيان في المكاتب شرقًا وغربًا، لقد عمت المدارس زمن الخليفة عمر -رضي الله عنه- في البلاد المفتوحة، وكانت تعليم القرآن فيها ضرورة هامة.

ذكر القلقشندي في صبح الأعشى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أعرابيا هل تحسن القرآن؟ قال: نعم، قال فاقرأ أم القرآن فقال: والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟ فضربه وأسلمه للكتاب، وأرسل يزيد بن أبي سفيان للخليفة عمر كي يعينه برجال يعلمون أهل الشام القرآن العظيم فبعث إليه عمر معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء -رضي الله عنهم-.

كان في فرق الجيش التي فتحت بلاد الشام كثير من الصحابة، كانوا يعلمون الجنود القرآن ويرتلونه بينهم في الحروب ليزيدوهم إيمانًا مع إيمانهم ويربطوا به على أفئدتهم في قتالهم للروم، ويحمسوهم على الجهاد في سبيل الله، ففي معركة اليرموك كان القارئ المقداد بن عمر الصحابي الجليل الذي شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الفارس المحنك، كان يقرأ سورة الأنفال عند اللقاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير