تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان للصحابة الثلاثة الذين أرسلهم الخليفة عمر إلى بلاد الشام نصيب وافر في تعليم أهل الشام القرآن العظيم، أما معاذ بن جبل المتوفى سنة ثماني عشرة فعلم أهل فلسطين القرآن، وأما عبادة بن الصامت المتوفى سنة أربع وثلاثين فعلم أهل حمص القرآن، وأما أبو الدرداء المتوفى سنة اثنتين وثلاثين فعلم أهل دمشق القرآن وكان أنشط الصحابة في تعليم أهل الشام مختلف العلوم الدينية والتاريخية والأدبية وكان كذلك في المدينة قبل أن ينزل دمشق فقد كان من أشهر علمائها.

روى الليث بن سعد عن عبد الله بن سعيد قال: "رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومعه من الأتباع مثل ما يكون مع السلطان بين سائل عن فريضة وبين سائل عن حساب، وبين سائل عن شعر وبين سائل عن حديث وبين سائل عن معضلة".

وكانت حلقته أكبر الحلقات بمسجد دمشق إذ كان يؤمها وينتظم فيها مئات التلاميذ، قال مسلم بن مشكم الدمشقي كاتب أبي الدرداء: "قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا، يعني في مجلسنا فعددت ألفًا وستمائة ونيفًا فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة لكل عشرة منهم مقرئ وكان أبو الدرداء واقفاً يستفتونه في حروف القرآن يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القرآن تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انتهى من الصلاة، فيقرأ جزءًا من القرآن وأصحابه محدقون به يستمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل في موضعه وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه.

وقال السويد بن عبد العزيز مولى بني سليم الدمشقي المتوفى سنة سبع وستين ومائة: كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- إذا صلى الغداة في مسجد دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريفًا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسألهم عن ذلك وكان أبو الدرداء أكثر الصحابة أثراً في أهل دمشق، قال الذهبي: " كان عالم أهل دمشق ومقرئ أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم، وقد نبغ في حلقته أهم القراء في أهل الشام وتقرأ فيها أحد القراء السبعة وهو عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، ومن قراء الصحابة الشاميين الذين علموا أهل الشام القرآن فضالة بن عبيد الأنصاري الدمشقي المتوفى سنة 56، وأشار ابن النديم وغيره إلى أن عبد الله بن عامر اليحصبي سمع منه القرآن وأخذ عنه.

كان الخلفاء والأمراء الأمويون من قراء القرآن وحفظته على تفاوت بينهم في القراءة والحفظ وكان لبعضهم معرفة بالقراءات وقد وردت عنهم الرواية في حروف القرآن إذ كان معاوية بن أبي سفيان من كتاب الوحي، وكان يقرأ القرآن في كل يوم، قال المسعودي في مروج الذهب: كان إذا صلى الفجر جلس للقاص حتى يفرغ من قصصه ثم يدخل فيؤتى بمصحفه فيقرأ جزأه، وقال المدائني: كان مروان -أي ابن الحكم - من رجال قريش وكان من أقرأ الناس للقرآن وكان يقول: " ما أخللت بالقرآن قط أي لم آتِ الفواحش والكبائر قط".

وكان عبد الملك بن مروان من التالين للقرآن، قال نافع: " لقد أدركت المدينة وما فيها شاب أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان".

وقال ابن حبان: كان عبد الملك من فقهاء أهل المدينة وقرائهم قبل أن يلي ما ولي.

وكان الوليد بن عبد الملك كثير القراءة للقرآن فقيل: إنه لما ولي الخلافة كان يختم القرآن في كل ثلاث.

وكان عمر بن عبد العزيز قد جمع القرآن وهو صغير وكان يواظب على قراءة القرآن، قال ابن كثير: " كان يقرأ في المصحف كل يوم أول النهار ولا يطيل القراءة" وكان الخلفاء الأمويون المتأخرون مثل هشام بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك، من أهل الصلاح والورع والتقوى وكانوا يحرصون على قراءة القرآن ولا ينقطعون عنها، ولا يفرطون فيها ومع أن الوليد بن يزيد كان مترفًا ومتنعمًا فإنه كان يقرأ القرآن وكان رفيقه في حله وترحاله، فعندما حوصر بقصر البخراء وأحاط به أعداؤه وعزموا على قتله واستيئس من النصر عليهم ألقى سلاحه وأخذ مصحفه يقرأ فيه ويقول: " يوم كيوم أمير المؤمنين عثمان".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير