كما أن طبيعة الخط تميل إلى الخطوط اللينة التي حافظ على هيئتها الأندلسيون المتأخرون في رسوم الكتابة، إن كتابة رأس اسم السورة بالذهب مع وجود هذه التقسيمات الزخرفية تبعث على الشك كل الشك بأن هذا المصحف متأخر ولا يمكن أن يعود لمنتصف القرن الأول الهجري، كما أن استخدام اللون الأزرق في تحلية الشكل وفي الأحزاب والأجزاء ورموز المدود ما كان ليظهر إلا بعد القرن الخامس الهجري كما أنه ينافي كل ماجاءنا من خطوط علامات الطريق والنقود وخطوط مسجد قبة الصخرة التي تعطينا صورة واضحة عن طبيعة الحرف الذي كان يستخدم أيام بني أمية في أواسط القرن الأول.
إن كتابة اسم السورة بالذهب وبخط كوفي متطور مع تبيان عدد الآيات لم يكن في في زمن معاوية، ونقرأ هنا في هذا المصحف بالكوفي وبالذهب سورة ? حم (1) عسق (2) ? [الشورى: 1: 2]، خمسون آية، وهذه السورة هي سورة الشورى وعدد آياتها ثلاث وخمسون آية وهذه الفوارق هي التي تسرب الشك لهذه الوثيقة التي يحتفظ بها متحف استانبول.
أن استخدام النقط الثلاث في فواصل الآيات لم يظهر أيضاً إلا في القرن الهجري الثاني، ونظرة أخرى إلى بداية سورة لنلاحظ البسملة وقد مد الكاتب حرف الحاء بدل السين، ليجعل التوازن ما بين بداية الكلام ونهايته، وهذا لم يكن في كتابات القرن الأول إذ لم ينضج بعد فن الخط إلى المستوى الذي يمكن أن يصبح فيه فنًّا.
ونقرأ ونلاحظ الرموز المتطورة في المدود ووضع رمز مد فوق الكلمات في قوله تعالى: ? حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلاَ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) ? [الشورى: 1: 7].
وفي متحف طوبقابي مصحف آخر كتب بخط حديج بن معاوية بن مسلمة الأنصاري وقد كتبه للأمير المستجاب عقبة بن نافع الفهري سنة تسع وأربعين للهجرة.
والمصحف مشكول بنقط حمراء وسورت ورقاته بالذهب، وخطه أقرب للنسخي المدور منه للكوفي وفي خطه خصائص واضحة لا توجد في المصاحف الأموية الأخرى، ونلاحظ فيه حرف الألف يميل إلى اليمين، وفي ذيله عطفة إلى اليمين وفي رأسه خط يميل إلى اليسار، وهذا تميز عن المصاحف التي جاءتنا من القرن الأول كما نجد هذا الخط الصغير في رؤوس اللامات كما أن حرف العين المتوسط مختلف تماماً عما هو عليه في الزمن المؤرخ وكما هي الطريقة فقد كتبت أسماء السور بالكوفي المسور بالذهب، وفي أول المصحف ذكر عدد حروف الهجاء في القرآن العظيم كله.
وفي متحف بغداد أوراق من مصحف على الرق من القرن الأول ليس فيه نقط ولا شكل وليس فيه نهايات الآيات.
لقد اتسقت الكتابة في عصر بني أمية وأصبح المصحف بشكله الأنيق الجميل غاية في الجمال والضبط، ولم تعد مشكلات الإعراب والوقف صعبة أمام القارئ المسلم من شعوب الأرض المختلفة.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:56 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (15)
(ملاحظة: سقطت من النص بعض الكلمات عند الحديث عن قصة يوسف عليه السلام)
قراءة القرآن العظيم عبادة يثاب عليها الإنسان وينال الأجر من الله -عز وجل- وهذه الخصوصية ليست لغيره من الكتب السابقة، قال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ? [فاطر: 29]، فقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعلمون القرآن عشر آيات منه فلا يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
¥