تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا أن التدريس للقرآن العظيم بمفهوم التدريس لم يكن إلا في عهد عبد الملك بن مروان في الجامع الأموي قبل أن يُبنى، وكان موضع الجامع أيام الآراميين في الألف الثاني قبل ميلاد المسيح -عليه السلام- هيكل إله المزعوم "حدد" وكانت مساحته 380 بـ 300 متر، واتخذه اليونانيون معبدًا لآلهتهم الباطلة في العصر الهلنستي، وجاء الرومان فاتخذوه معبدًا لإلههم الخرافي "جوبيتر" وتهدم بعض المعبد أيام قيصر روما "تيدورز" فأقام فيه كنيسة ماريو حنا المعمدان.

ولما كان الفتح الإسلامي اتخذ المسلمون القسم الشرقي من المعبد مسجدًا، يقول الرحالة الفرنسي "أركولف" الذي زار دمشق سنة 50 هجرية أيام معاوية إن المسلمين والمسيحيين كانوا يدخلون من باب واحد ولكل معبده الخاص.

لقد قدم هشام بن إسماعيل المخزومي على عبد الملك فحجبه، فجلس هشام في مسجد دمشق بعد الفجر فقرأ القرآن وقرأ أهل المسجد بقراءته، فأقبل عليهم الضحاك بن عبد الرحمن أمير دمشق منكرا، وقال: إن هذا شيء ما سمعته ولا رأيته ولا سمعت أنه كان من قبل.

واستمرت بعد ذلك قراءة القرآن العظيم وتعليمه في الجامع الأموي قرونًا طويلة.

وذكر الأسدي أن الشيخ إبراهيم الصوفي كان مثابرًا على قراءة القرآن بالأموي بالرواق الثالث مقابل باب الخطابة، بكرة وعشية وحلقته مشهورة يحضرها خلق كثير يلقنون القرآن ويقرءونه، وختم القرآن في حلقته خلق كثير منهم ألف شخص اسم كل منهم "محمد" وفي مدارس القرآن العظيم كان يشترط بعضهم أنه إذا لم يحفظ الطالب القرآن العظيم غيبًا في مدة أقصاها ثلاث سنوات يقصى من المدرسة ويُؤتى بغيره، وكان أهل الشام يقرءون بقراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينًا قريب الخمسمائة سنة، وكان ابن عامر إمام الأموي وشيخ القراء وقاضي دمشق في عصر بني أمية وقد توفي سنة 118 هجرية.

إلى جانب دور القرآن التي خصصت لحفظه وقراءته وعلومه في دمشق وعواصم العالم الإسلامي كان ضرب من دور الحديث والفقه لتعليم القرآن معًا، وكان نفر من الأغنياء يجعلون أوقافًا دورًا للقرآن أيضًا يبتغون من وراء ذلك نشر القرآن ونوال الثواب.

وكانوا يشترطون أن يقرأ فيها القرآن ويعلم بها، وإن لم تسم دارًا للقرآن، وكان وقف الملك الأشرف الأيوبي في دمشق مكانًا يُتَعلم فيه، وكان مشيخة الإقراء فيه أبو شامة، وكان من شرط التدريس أن يكون الشيخ المقرئ أعلم أهل البلد بالقراءات.

إن دور القرآن العظيم التي انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي لم يكن منشأها الحكام والملوك والأمراء كما حدث في مدارس الفقه والحديث، وإنما كان العلماء والتجار هم الذين بنوا دور القرآن، كدار القرآن الدولمية التي بناها أحد بن زيد الدين دولامة البصري، أحد أعيان وتجار مدينة دمشق في منطقة الصالحية، والمدرسة أو دار القرآن كان لها مخطط معماري يحتوي إيناوات أربعة وباحة وقبة، وهي مستوحات من الفن الرافدي.

إن القرآن العظيم كان يدرس في كل مكان تقريبًا وليس في دور خاصة فحسب لشرف وعظمة القرآن ولكي يتخصص علماء القراءات في التفرغ لخدمة كتاب الله العظيم.

كان القرآن العظيم يدرس في المدارس الفقهية والخوانق والربط والزوايا، ولم يكن أحد من العلماء أو الطلاب يجهل القرآن العظيم مهما كانت المدرسة التي تخرج منها.

ولو استعرضنا جوانب المنشآت المعمارية عبر التاريخ الإسلامي بدمشق لشاهدنا أن عدد المدارس في عصر السلاجقة لم يتعد السبعة عشرة مدرسة وفي عصر نور الدين بلغت المدارس اثنتين وثلاثين، وفي القرن السابع صار العدد أكثر من تسعين، وفي القرن الثامن بلغت المدارس خمس عشرة ومائة مدرسة، وفي القرن التاسع وصل العدد إلى خمسين ومائة.

إن هذا العدد من المدارس ودور القرآن لم يجتمع لأية مدينة في الشرق الإسلامي كله، ونظرًا لأهمية دور القرآن العظيم في رحلة القرآن العظيم فإننا نعرض صورة مختصرة لوقفية توضح نظام التعليم في عصر المماليك.

أولاً: توزيع الحجرات، الإيوان القبلي مسجد لجميع المسلمين، ولا يحرم منه أحد، يخصص بيت غرفة ضمن المدرسة للإمام الشيخ، يخصص بيت لكل فقير من المتلقين للقرآن في المدرسة.

* المعلمون والإداريون وطرق التدريس

قارئ، إمام، ومؤذن، رجل مسلم حافظ للقرآن، يكون شيخًا للقراء يعلمهم ذلك في كل يوم من بعد صلاة الصبح إلى وقت الضحى، ومن بعد صلاة العصر إلى الغروب وعليه ملازمة هذين الوقتين في كل يوم، يلقن القراء ويسمع من كل منهم.

يأخذ كل فقير ثلاثين درهمًا في الشهر، وعلى كل فقير الحضور في الوقتين المذكورين، يشترط أن يكون الفقراء بالغين بذقون، بحيث لا يكون فيهم أحد أمرد ويقيمون في غرف المدرسة ليلاً ونهارًا.

مدة الدراسة ثلاث سنوات لحفظ القرآن العظيم، فمن حفظه من الطلاب في هذه المدة يعطى خمسين درهمًا مكافأة ويغادر الدار، ومن لم يحفظه يفصل منها بدون مكافأة ويؤتى بغيره.

يقيم في المدرسة أيضًا خمسة عشر يتيمًا في الطابق العلوي، يتعلمون القرآن العظيم على يد شيخ حافظ قارئ، ولكل منهم إجازة يوم واحد في الأسبوع وأيام العيدين والمواسم، تزاد المصاريف في الدار في أيام المواسم، يخصص قارئ للحديث الشريف يكون أهلاً لميعاد على الكرسي، ويشترط عليه الحضور في كل يوم سبت وأن يعمل ميعادًا يشتمل على شيء من التفسير والعلم، ويعين قارئ آخر ليومي السبت والثلاثاء.

لقد انتشرت قراءات القرآن العظيم في دور القرآن بدمشق، وكانت عناية الدماشقة بقراءة ابن عامر حتى ما بعد الخمسمائة، سائدًا حتى قدم سبيع بن المسلم إليها، فانتشرت قراءة أبي عمرو، ثم ظهرت الشاطبية فحفظها الناس، وفي العصر العثماني انتشرت في الشام رواية حفص عن عاصم وعندما انتشرت طباعة القرآن العظيم طبع بها في معظم أنحاء العالم الإسلامي وهي الرواية الغالبة اليوم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير