تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونقرأ فيه من سورة مريم ? عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ? [مريم: 49: 50]، لقد استطاع الخطاط أن يطور في رسم الحرف الكوفي البديع والذي أطلق عليه علماء الخط المستشرقون اسم الخط الكوفي المشرقي، وجنح إلى التزويق في الوصل فيما بين الحروف وجمل في حرف النون واللام ألف وحرف الدال والهاء وأخذ من سعف النخل أشكالاً لرسم دائرة يضع فيها الرقم على طريقة حساب الجمل.

فوضع في الدائرة العليا حرف نون دلالة على الرقم خمسين ووضع في الدائرة السفلى حرفين "نا" النون والألف دلالة على الرقم واحد وخمسين، وسور الكلام وجدوله ضمن أشكال منظمة مقتبسة مجردة من ورق التين، بالإضافة إلى استخدامه شكلاً واحداً من ثمر الرمان.

وفي هذا المصحف أيضاً تطور الرموز في الشكل بالرغم من استخدامها رموز الخليل بن أحمد الفراهيدي فقد وضع علامة الميزان فوق الراء والسين كما استعمل الألوان الحمراء للشكل والزرقاء للتزيين، وقد أطلق بعض الباحثين على هذا الشكل من الخط اسم الكوفي القرمطي، نسبة إلى القرامطة الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وهذا منافٍ لبعض الاصطلاحات في الرسم والخط، إذ إن الرمطة تعني الدقة في تقارب الحروف ولذلك قال: علماء الخط السابقون" قرمط بين الحروف، إلا أن هذا النوع من الكتابة يعود إلى التحسين والتجميل في الخط الكوفي البديع ولا علاقة للقرامطة ولا القرمطة بين الحروف به.

ويوضح ذلك تأملنا في الحروف التي سنراها على جانب آخر من الغلظة في أسلوب آخر يحتفظ به مركز دراسات الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بقيروان بتونس، ونقرأ فيه الآية الثانية عشرة بعد المائتين من سورة البقرة: ? وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ ? [البقرة: 212]، وكتب هذا المصحف علي بن أحمد الوراق على خمسة أسطر على الرق لحاضنة المعز بن باديس الصنهاجي سنة عشر بعد الأربعمائة الهجرية، ثم حبسته الحاضنة على الجامع الأعظم بالقيروان.

إن مقارنة بسيطة في أسلوب الكتابة بين المصحفين تقودنا إلى أن استخدام الألوان في التشكيل كأنما كانت قاعدة في هذه المرحلة الزمنية من التاريخ، فاستخدام اللون الأحمر والأزرق يدلنا على أن رمز الألوان كان ناضجًا متطورًا في هذه الفترة المبكرة من الفن، وفي المصحف الذي تحتفظ به مكتبة طوبقابيبسراي بخط أبي بكر ابن أحمد بن عبد الله الغزنوي في المحرم من سنة ثلاث وسبعين وخمسائة هجرية نشاهد تطورًا بسيطًا في الكوفي البديع الذي رأيناه في المصاحف التي سبقته وخاصة حرف الصاد، كما نرى فيه تطورًا آخر في رموز الوقف أثناء القراءة. وهذه الشارات التي تدل على ذلك هي إشارات وضعها أبو الفضل محمد بن طيفور السجاوندي المتوفى سنة ستين وخمسمائة هجرية وعرفت باصطلاحات أو إشارات سجاوند في تلاوة القرآن العظيم.

وفي المصحف ما يخالف القواعد المتبعة في خطوط رؤوس الآيات، فلم يستخدم الخطاط في هذا المصحف الخط الكوفي المورق لرؤوس السور وإنما استبدله بخط لين من قلم التوقيع.

وذَهَّبّ الأسماءَ واستعمل الزخرفة المجردة من زهرة الرمان وأكسبها ألوانًا جديدة.

إن هذه العناية في كتاب الله -عز وجل- لاقت من المجتمع تقديرًا واحترامًا واندفع أصحاب الشأن ليكلفوا الخطاطين بكتابة المصاحف الشريفة، وكانت مصاحف الحكام والأمراء والسادة والتجار على جانب كبير من الذوق في التذهيب لقد ظل الخط الكوفي في المصاحف حتى القرن الخامس والسادس الهجريين يتناوب ما بين محقق وبديع مع العناية التامة بالتذهيب والزخرفة.

وكانت مصاحف الأندلس تميل نحو اللين في كتابتها اليابسة الكوفية مما أحدث طرازًا ونمطًا جديدًا في الخط العربي أطلق عليه اسم الخط الأندلسي، لقد كان للمسلمين فضل كبير في الأندلس في تطوير الكتابة، بالرغم من أن التاريخ يثبت أسبقية المغرب والقيروان للإسلام والعروبة، والفتوحات كانت من المغرب والمغاربة مع الفاتحين حملوا كتابتهم الأولى للأندلس، والتطورات التي حدثت في القيروان تأثر بها الأندلسيون من خلال روابط العلاقات الثقافية الوطيدة فيما بينهم، وكانت القيروان مركز عبور نحو الشرق ومنه، كما كان يقصدها من الأندلس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير