تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طلاب وعلماء للبحث والدراسة، إلا أن الحضارة التي عرفت باستقرار المسلمين في الأندلس جعلت التبعية في تطور الكتابة فيها لا للقيروان.

ونما الخط في الأندلس وتطور وقد وصلتنا نماذج تؤكد وتدل على ذلك، وتاريخها يعود للقرن الرابع الهجري ونحن نعلم أيضاً أن العلوم القرآنية في القرن الخامس قد بلغت مبلغًا عظيمًا من التقدم، فقد ترك أبو عمرو الداني - المتوفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة هجرية - كتبًا قيمة عن نقط المصاحف وقراءاتها، يقول ابن خلدون: وأما أهل الاندلس فافترقوا في الأمصار عند تلاشي حكم العرب ومن خلفهم من البربر وتغلبت عليهم أمم نصرانية فانتشروا في عدوة المغرب وإفريقية من لدن الدولة اللمتونية إلى هذا العهد، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع وتعلقوا بأذيال الدولة فغلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه ونسي خط القيروان والمهدية بنسيان عوائدهما وصنائعهما، وصارت خطوط إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس وما إليها؛ لتوفر أهل الأندلس بها عند الجالية من شرق الأندلس.

ويقول أيضاً: وتميز مُلكُ الأندلس بالأمويين، فتميزوا بأحوالهم من الحضارة والصنائع والخطوط، فتميز صنف خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد، لقد مال الخط الكوفي البديع القيرواني إلى الليونة في الأندلس وأصبح خط الأندلس هو القدوة للمغرب.

وفي مصحف ابن غطوس نشاهد التطورات التي جرت في أحضان المصحف في بلاد الأندلس فمن اليبوسة إلى الليونة، ومن القيرواني البديع إلى الأندلسي البهي الجميل، وابن غطوس من بلانسيا بالأندلس وخطاطها الشهير، كان وحيد عصره في كتابة المصاحف في الأندلس، فقد روي أنه كتب ألف مصحف وتعلم هذا الفن عن والده وأخيه الأكبر وعاهد الله ونفسه على ألا يكتب غير المصاحف، وكان يختلي في غرفته ولا يسمح لأحد بالدخول عليه، وقيل: إن مصحفه كان يباع بما يزيد على مائتي دينار، وقيل: إن رجلا جاءه من مكان قصي فاشترى منه مصحفًا فلما عاد إلى بلاده أدرك أن به بعض الأخطاء في الحركات فعاد إلى تلك المدينة البعيدة وطلب منه تصحيحها ولتكون بخطه.

وقد توفي ابن غطوس هذا سنة عشر وستمائة هجرية، وفي مصحفه المحفوظ بمكتبة جامعة استانبول قسم يالديز نشاهد سورة الفيل وسورة قريش إلى سورة الناس، وقد كتب بمداد بني فاتح على الرق، ووضعت إشارات الشد والجزم باللازاود وإشارات التشكيل الأخرى باللون الأحمر، وخصص اللون البرتقالي للهمزة وقام بتذهيبه وزخرفته وعلى الهامش علامات التخميس والتعشير.

كما نشاهد مصحفًا آخر في مكتبة سراي طوبقابي ونقرأ فيه من سورة مريم قوله تعالى: ? أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) ? [مريم: 94: 98]

لقد كتب هذا المصحف بالذهب المسور بالمداد الأسود وجاءت بعد كل آية دائرة محلاة كتبت داخلها كلمة آية، وجاءت علامة التخميس على شكل طرة وعلامات التأشير المستديرة وضعت بين الآيات في المكان المناسب، وفي الصفحات التي تضم تسعة أسطر جاءت علامات رؤوس السور والأجزاء والأحزاب في هامش المتن على شكل مرصعات محلاة.

وقد وضعت حروف ألف باللون الأحمر إشارة إلى المد خلافاً للرسم العثماني للمصفح ونشاهدها في السطور الخمسة الأولى وكتبت رؤوس السور باللون الأحمر، ثم سورت أطراف الحروف بالذهب، وأشير إلى الهمزات بنقط مستديرة خضراء فوق الحرف وحمراء تحته، أما الشدة وإشارة الجزم فهي باللون الأزرق بينما وضعت الحركات الأخرى باللون الأحمر.

ويوجد من هذا المصحف أوراق متفرقة وفي متاحف العالم بعض أوراق متفرقة منه. إن الأندلس بما طورته من كتابتها الأموية سبقت المشرق بقرون في استخدام الخط اللين بدل اليابس على صفحات القرآن العظيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير