تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

انبثق نور الإسلام من الجزيرة العربية فكان ثورة على الواقع الفاسد، رفع الظلم والاستغلال عن كاهل الإنسان وحث على طلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وانتشر دين الله وبسرعة في مناطق واسعة من العالم، ومصرت الأمصار وصارت المساجد الجامعة دورًا لحفظ القرآن العظيم، واختصت بعدها دور خاصة بذلك وازدادت العناية بخطوط ورسوم المصحف الشريف وتزيينه ولاحظنا من خلال الحلقات السابقة، مسيرة التطور واختراع الخطوط اليابسة واللينة وكان لاحتكاك العرب بغيرهم من الشعوب ودخول أمم جديدة في الدين الجديد أثر كبير على جمالية وقواعد الخط العربي ومن ذلك مصحف بالخط الكوفي البديع ومن القرن الخامس الهجري وهو بخط عثمان بن حسين الوارق الغزنوي والجديد في هذا المصحف أن تفسيرًا باللغة الفارسية وشرحًا للآيات جاء منتظمًا في سطور تحت الآية وبخط أصغر من الكلام الحق العزيز، ونقرأ في هذا المصحف من سورة مريم: ? أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) ? [مريم: 83: 85]، لقد كتبت الآيات بأحرف كبيرة وشكل مختلف ووضعت الحركات باللون الأحمر ووضعت الشدات والهمزات بالمداد الأخضر ووضعت النقاط مستديرة بقلم الذهب المسور باللون الأسود، ونرى كذلك بعض الحروف المهملة، وعلامة الميزان التي سبق وأشرنا إليها بأنها توضع فوق الرأي وفوق حرف السين نراها هنا وقد وضعت فوق حرف الدال أيضاً في نعد وعدًا ووفدًا.

ونذكر أن هذه العلامة كانت توضع فوق حرف الصاد أيضاً في القرن الرابع الهجري، كما نرى الأعداد وقد كتبت لغة داخل دوائر محلاة على الطريقة العشرية، وهذا نموذج فريد من المصاحف التي جاءتنا من هذه الفترة، كما نلاحظ الدوائر المرصعة التي تدل على التخميس والتعشير وقد وضعت على حاشية المصحف.

واستخدم الخطاط في هذا المصحف فواصل في نص التفسير بين الفقرات مستخدمًا نجمة محورة على شكل زهرة وهذا مما ليس موجودًا في مدونات القرن الخامس، لم ينقضِ القرن الخامس ولم تأفل شمسه بعد حتى كان الخط اللين قد حل بشرف مكان الحرف اليابس الكوفي، ولقد وصلتنا مصاحف جميلة الخط بهية الزخرفة من هذا الزمن، تدل على الذوق الرفيع الذي تحلى به الخطاط في عمله بالمصحف الشريف وكان ابن مقلة وابن البواب من قبل قرن من الزمان قد خطا بالنسخ القرآن العظيم.

وصلتنا من القرن السابع الهجري نسخة من المصحف بالخط الريحاني لياقوت المستعصمي، ويحتفظ بها متحف الآثار الإسلامية التركية وتمثل هذه النسخة الفريدة نموذجًا هاما للتطورات التي طرأت على توزيع وتنسيق الكتابة والخط في المصحف، فقد كتب بالخط الريحاني وعلى خمسة عشر سطرا لكل صحيفة وهذا من حسن التوزيع، إذ أصبح قاعدة لمن جاء من بعد لكتابة المصحف للحفاظ على نهج المستعصمين وتعد هذه النسخة تحفة فنية نادرة لما فيها من رونق التذهيب وجمال التجريد، وقد كتبت رؤوس السور بخط التوقيع الدقيق بمداد أبيض على أرضية مذهبة وشُعِّرتْ أطراف الكتابة بالمداد الأسود كما نرى علامات التخميس قد وضعت بعيدًا عن حيز الكتابة بدوائر وردية محلاة، ونقرأ في هذا المصحف في الصفحة الأولى سورة الفاتحة وثلاث آيات من سورة البقرة، وفي الصفحة الثانية وهي الأخيرة سورة الناس، ونشاهد حرف السين الذي سها عن كتابته ثم وضعه بعد التأطير في داخل الإطار وفي النهاية نقرأ، " وكتب ياقوت المستعصمي في سنة خمس وثمانين وستمائة بمدينة السلمي ببغداد حامدًا الله تعالى على نعمه ومصليًا على نبيه محمد وآله الطيبين الطاهرين ومسلماً ومن ذنوبه مستغفرًا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير