تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ? [المدثر: 38: 56].

إن ما نراه في هذا المصحف مخالف لكل ما جاء من المصاحف التي كانت تكتب بالخط الكوفي وبالرسم العثماني، فقد خالف رسمه رسم المصحف بالرغم من أنه كُتبَ في القرن الثامن ولابد أن تعترضنا هنا مسألة هامة وهي أن مصحف ابن البواب جاء كذلك برسم مخالف ولكأن رسوم الخطوط اللينة لا توافق ما جاء في مصحف الإمام الذي كتب برسم إملائي وبخط يابس، لقد جاءت كلمة أصحاب في هذا المصحف بألف طويلة في السطر الأول بينما في مصحف الإمام لا وجود للألف وكذلك في الكلمات " جنات وأتانا وشفاعة والشافعين" ونلاحظ أيضاً الخلاف في الآيات ففي قوله تعالى: ? إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ? [المدثر: 39: 41]، ثلاث آيات في مصحف الإمام ونراها هنا وقد دمجت في آية واحدة، إن الخلاف في الرسم الإملائي لم يكن له ضابط في العصر العباسي وما بعده ولم تكن رسوم المصحف في مشرق الأرض ومغربه لتلتزم بقواعد مصحف الإمام وهذا ما دعا الداني في محكمه لينوه عن ضرورة الالتزام برسم مصحف الإمام، وبقيت بلاد الأندلس والمغرب على تمسكها برسم الإمام حتى عصرنا الحاضر، بينما سعى أهل المشرق في منتصف القرن الماضي ليهذبوا مصاحفهم ويعيدوها إلى الكتبة الأولى، كتابة رسم زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

ومن المصاحف الجميلة التي خطت في دمشق الشام مصحف تحتفظ به مكتبة جامعة استانبول، ويعود للقرن الثامن الهجري الموافق للرابع عشر الميلادي خطه وزخرفه عبد الله الأنصاري الذي يقول بأن نسبه يعود لأبي أيوب الأنصاري، ونرى من تنظيم الصحيفة أنه كتب سطرًا بخط المحقق بمداد أسود مسور بالذهب، ثم ثلاثة عشر سطرًا بالنسخ بمداد الذهب المسور بالحبر الأسود ثم سطرًا أخيرًا بالمحقق كما السطر الأول، أما علامات التشكيل فقد رسمت بالحبر الأحمر ولم يعتنِ جيدًا بتسوير الحروف ووضع في نهاية الحروف أشكالاً محلاة تشبه بعضها بعضًا.

أما علامات التخميس والتعشير فقد وضعها على هامش النص على شكل طرر ورصائع محلاة، وفي هاتين الصفحتين آيات من سورة الشعراء.

ومن المصاحف المملوكية الجميلة التي حفظ لنا الدهر بعضًا منها مصحف بخط علي بن محمد بن محمد بن زيد من أهل الموصل، وقد خُطَّ هذا المصحف بالذهب المسور بالمداد الأسود، ويحتفظ متحف الآثار التركية الإسلامية باستانبول بثمانية أجزاء منه، ويوجد أربعة أجزاء منه أيضاً في أماكن مختلفة من تركيا كما توجد بعض أوراق من الجزء السادس منه في إيرلاندا، والجزء الخامس والعشرون في انجلترا والثامن والعشرون في إيران والأجزاء الباقية مفقودة وقد شرع عليٌّ بكتابته بسرعة فائقة رغم العناء الذي كابده وهو يكتبه على خمسة أسطر فأتم الأجزاء الخمسة عشر الأولى في سنة واحدة، ثم توقف أربع سنوات وأعاد الكرة ليتم القرآن العظيم في سنة واحدة، وقد كُتبَ هذا المصحف لأمر السلطان الإلفاني أوليجاتو سنة ثمانين وستمائة هجرية ونلاحظ في جداول رؤوس السور أنها كتبت بخط التوقيع بمداد أبيض اللون، ثم سورت الكتابة مرتين بالذهب والمداد الأسود، ويوجد إلى جوار كل جدول رصيعة محلاة تدل على بداية السورة، أما الآية فقد فصلت بينها دوائر زخرفية بديعة كتبت في داخلها كلمة آية بينما تُركتْ أطراف الصحيفة بغير جدول ونلاحظ رموز علامة الميزان على حرف الراء، وإن نظرة إلى ما قام به من زخرفة على أرضية كتابة اسم السورة سنلاحظ العناية التامة في رسم الزخرفة المقتبسة المحورة من آيات القرآن العظيم، وإن التوريقات التي أخذت من نخيل وأعناب وزيتون ورمان لتدل دلالة واضحة بينة على خصب خيال الخطاط المسلم الذي اتخذ من القرآن وآياته إبداعًا جَمَّلَ به صفحات القرآن العظيم، واستخدامه على الإطار شكلاً مجرداً من نوى ثمرات النخيل وإعطاؤها لونًا أحمر يميل إلى اللون البني مما يوضح اتصال الخطاط المسلم بالألوان والأصباغ واستخدامها رموزًا تحدد هيكل ما يريد وما يبوح به، إنها سورة الرعد: ? المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ? [الرعد: 1].

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:32 م]ـ

رحلة القرآن العظيم (18)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير