تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يقنع المجلدون المسلمون برسم الزخارف والأشكال الهندسية والنباتية على الوجوه الداخلية للمصاحف، وإنما استعملوا طريقة أخرى تقوم على تخطيط المساحة أولاً، ثم عمل الزخارف على أوراق منفصلة، وقصها ولصق كل جزء منها في مكانه من الوجه الداخلي.

ولم يكد القرن الرابع الهجري يصل مداه حتى كانت صناعة التجليد قد بلغت من التقدم مبلغاً عظيماً وزخرفت الأغلفة من الخارج ومن الداخل وما زال العرب والمسلمون يتفنون ويبتكرون حتى وصلوا إلى درجة عالية من الأصالة الفنية.

وانتقلت صناعة التجليد إلى أوروبا في العصور الوسطى، فاقتدى المجلدون الأوروبيون بالمسلمين وجعلوهم النموذج الأعلى فمضوا يقلدون حيناً ويقتبسون حيناً آخر.

وكانت إيطاليا أول الدول الغربية التي تجاوبت مع التيار العربي الإسلامي بحكم العلاقات التجارية بينها وبين الشرق، وبحكم مجاورة بلاد الأندلس وبحكم الطبيعة الفنية التي كانت غالبةً عليها، ومن أجل هذا ظهرت مسحة شرقية على كتب القرن الخامس عشر للميلاد التي تم تصنيعها في البندقية.

وصلت الأغلفة التي حوت كلمات القرآن العظيم أوجها في العصر المملوكي، وعرف المجلدون في هذا العصر طرقاً مبتكرة في الرسوم الناثرة والغائرة على الجلد، حتى بدا غلاف المصحف لوحة فنية يعجز اللسان عن وصفها.

ولقد ورث العثمانيون فن التجليد عن الفرس، لا عن المماليك بعد القضاء على دولتهم.

يقول الدكتور زاره: إن العثمانيين تتلمذوا في فن التجليد على الإيرانيين الذين قدموا واستقدموا إلى اسطنبول وأدرنة، والواقع أن فن التجليد العثماني قام على أكتاف المجلدين الإيرانيين والشاميين، وفن التجليد العثماني ما هو إلا استمرار لما كان عليه في الأمم الإسلامية السابقة، فاستعمل العثمانيون صفائح الذهب أو الفضة في كسوة الأغلفة الثمينة، كما زينوا هذه الأغلفة بالأحجار الكريمة، وكانت هذه النسخ عادةً والمصاحف للسلاطين.

وفي متحف طوبقابي سراي مجموعة من أغلفة المصاحف تمثل النمط العثماني في التجليد الذي أخذوه عن بلاد الشام ومصر، واستخدم فنانو بني عثمان شرائح الجلد في كسوة الأغلفة الورقية، وزينوا وزخرفوا الشرائح الجلدية بالضغط، والختم أو التنقيب.

كما استخدموا طريقة القطع، ومن الطرق التي ورثها العثمانيون عن زملائهم المسلمين في هراة وبلاد ما وراء النهر هي طريقة القالب وطريقة الورق المضغوط المدهون باللك.

وتختلف الشرائح الجلدية المستعملة في تغليف الكتب والمصاحف في ألوانها، فبعضها يكون لونها أحمر قالم، أو أحمر قاتم، وبعضها يكون لونها أصفر في لون الحمص المقشور، وبعهضا يكون زيتونياً، ويعتبر استعمال هذه الألوان الثلاثة بمثابة تقدم في صناعة التجليد العثماني وتطور عما كانت عليه الكتب سابقاً.

إن تطور العثمانيين بفن التجليد لم يقف عند حد الإكثار من الألوان بل لقد ابتكروا طريقة جديدة استبدلوا فيها الجلد بالحرير وبالمخمل المطرز بالألوان المختلفة، فقد يستعمل في التطريز خيوط الذهب، وفي هذه الحالة يطلق على الغلاف في التركية كلمة "فردوز".

أما الزخارف التي تستعمل في التطريز سواء بخيوط الحرير أو الذهب فكانت آية من آيات الجمال الفني.

وأقدم جلود المصاحف العثمانية التي وصلت إليها واحدة محفوظة في متحف "طوبقابي" بسراي، وهي غلاف مصحف السلطان محمد الفاتح، وهي غير كاملة، ولم يبقى إلا جزء واحد، والغلاف مكسو بشريحة من الجلد تزدان بزخارف بسيطة تتوسطها سرة مستديرة، مكونة من أقواس متصلة ومملوءة بالزخارف النباتية، ويتصل بهذا الجزء رابط يتصل بدوره باللسان، واللسان امتداد لأحد الجزئيين الرئيسيين للغلاف في الاتجاه الأفقي، وزين بزخارف بسيطة.

ومن خصائص الفن الإسلامي الإكثار من الزخرفة والهروب من الفراغ، وفي عهد السلطان سليمان القانوني اشتهرت بفن التجليد أسرة كانت تعيش في اسطنبول منها: محمود شلبي، وسليمان ومصطفى، ومن خلال التجارب والمقارنة بينهم وبين الفرس نلاحظ أن أعمالهم تفوق أعمال الرسول -صلى الله عليه وسلم- جمالاً ومتانةً وحسن صنعة.

ومن عصر السلطان محمد الثالث أي أوائل القرن السابع عشر وصلت إلينا مخطوطة من مصحف جميل ومما يلفت النظر أن السرة الوسطى مملوءة بالزخارف النباتية التي تبدوا فيها الزهرة الصينية "بوني بال ميت".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير