تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

? يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) ? [المدثر: 1: 5]

، فحمي الوحي وتتابع واستبشر النبي وتبدل انتظاره الحزين فرحةً غامرة، وأيقن أن الوحي خارج عن إرادته ومصدره الله علام الغيوم.

لقد أبطأ الوحي عليه شهراً كاملاً بعد حادثة الإفك، رمى به المنافقون زوجه بنت الصديق بالفاحشة وأثاروا الفضيحة وعصفت بقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- الريبة، وقال لزوجه أم المؤمنين:

(أمَا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ).

مر شهر على النبي -صلى الله عليه وسلم- كالسنين الطويلة، فقد خاض المنافقون في الصديقة خوضاً باطلاً والنبي -صلى الله عليه وسلم- صامت لا يتكلم، وتنتابه نوازع الشك والقلق ينتظر خبر السماء، ونزلت بعدها آيات النور تبرئ أم المؤمنين، ولو كان الأمر بيده لما طالت المدة وطال الزمن، ولو كان القرآن من كلامه وصنعه لما بقي كل هذه الفترة والناس يخوضون في عرضه، إنه خبر السماء، وكلام رب العزة.

لقد كان النبي – صلى الله عليه السلام- يتحرق شوقاً إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة قِبَلَ البيت، ولكن الله -تعالى- لم ينزل في هذا التحويل قرآناً رغم تلهف رسوله الكريم إلا بعد قرابة عام ونصف العام.

ونزلت الآية:

? قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) ? [البقرة: 144].

إنه الوحي الذي ينزل على محمد حين يشاء رب محمد، ويفتر إذا شاء له رب محمد الانقطاع.

ولقد تحير العرب في الربط بين الذات الملقية والذات المتلقية فتخبطوا، وتبلبلت أذهانهم وتضاربت آراؤهم وصور الله حيرتهم.

قال تعالى:

? بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ? [الأنبياء: 5].

ردوا مصدر القرآن إلى رؤى النائم أو شطحات المجنون، وافتراءات المختلق، وتخرصات الكذوب، وإلى أخيلة الشاعر وسبحات الأديب، ونلاحظ في توالي حرف الإضراب "بل" ثلاث مرات تهكم لاذع باضطرابهم وتضاربهم، ألا ساء ما يحكمون.

إن أضغاث الأحلام التي تحدث عنها الجاهلون ردها وحي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ اللحظة الأولى التي خاطب الله فيها بقوله: "اقرأ" إلى أن نزلت الآية الأخيرة من القرآن ولحق بالرفيق الأعلى.

ومن الخطأ الجسيم أن يقع بعض المفسرين والكتاب المعاصرين عن حسن نية إلى تصوير النبي -صلى الله عليه وسلم- نائماً في غار حراء أول ما نزل عليه الوحي، مع أن رواية الصحيحين قاطعة في أن الوحي فاجئه وهو يقظ يلتمس الحقيقة ويتحنث لله، ولذلك رعب وجاء خديجة يرجف فؤاده، ولأمر ما قال القرآن:

? مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) ? [النجم: 11، 12].

لقد وصف القرآن العظيم نشأة الخلق الأولى ومصيره المحتوم، وفصل نعيم الآخرة وعذابها الأليم، وأحصى أبواب جهنم، والملائكة الموكلين بكل باب، وعرض هذا كله على العرب تحت سمع أهل الذكر وبصرهم ممن أوتوا الكتاب، وقال:

? وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ? [المدثر: 31].

من أين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - تلك المعارف الغيبية الواسعة في مثل بيئة قومه الأميين الوثنيين؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير