لقد قص القرآن أحسن القصص عن أمم خلت، وصحح به أخطاءً وردت في الكتب السابقة تتناول عصمة الأنبياء، وفند بعض المغالطات التاريخية، قص قصة نوح، وفصل من أحوال موسى، وأسهب في سرد قصة يوسف، وكم من خبر كشف حجابه فتحقق ورأوه بأم أعينهم، فقد ذكر انتصار الروم على الفرس من بعد غلبهم في بضع سنين، وتم ذلك ورأوه رأي العين.
قال تعالى:
? الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ، للهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ (4) ? [الروم: 1: 4].
ولحقت بالمشركين هزيمة في بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة تصديقاً لآية في سورة القمر:
? سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ? [القمر: 45].
لقد سفه القرآن العظيم كل أمر حاول العرب أن يلصقوه بالوحي المنزل، وقال بلهجة قاطعة:
? وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُّفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) ? [يونس: 37، 38].
وعجز العرب وهم أمة الفصاحة والبلاغة على أن يأتوا بسورة من مثله بعد أن تحداهم وتحدى العالم قائلاً في ثقة ويقين:
? قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ? [الإسراء: 88].
بالأسلوب المعجز مس القرآن العظيم قلوب العرب من الوهلة الأولى التي سمعوه بها، وكانت الفترة المكية غنية بالصور والمشاهد، وكان الرفض من المعاندين الجاحدين من قبل أن تنزل آيات التشريع والنبوءات الغيبية والنظرة الكلية الكبرى إلى الكون والحياة والإنسان، ولو أتيح لمعاصري الوحي القرآني أن يطلعوا منه على الجانب العلمي كما أتيح لبعضنا اليوم وكان لهم من الثقافة ما يمكنهم من الحكم على حقائق التاريخ لأدركوا مثل جميع المنصفين عجز الزمان عن إبطال شيء منه، ولأيقنوا أن علوم الكون ستظل جميعاً في خدمته للكشف عن آيات الله في الآفاق والأنفس، كما قال -عز وجل- في سورة فصلت:
? سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ? [فصلت: 53].
إن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- تلقى الوحي بحواسه كلها، ومشاعره كلها، واعياً كل الوعي أنه عبد الله ورسوله الأمين.
وشاء الله أن يظل الوحي متجاوباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلمه في كل مرة جديداً ويرشده ويهديه ويثبته ويزيده اطمئناناً، وتجاوباً مع الصحابة -رضوان الله عليهم- يربيهم ويصلح عاداتهم ويجيب عن وقائعهم ولا يفاجئهم بتعاليمه وتشريعاته.
قال تعالى:
? طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى (3) تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) ? [طه: 1: 4].
وقال أيضاً:
? وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ? [طه: 114].
مر تفسير القرآن العظيم بأطوار كثيرة حتى وصل إلى ما وصل إليه من تآليف غصت بها بطون الكتب والتصانيف ما بين مطبوع ومخطوط، ولقد نشأ التفسير منذ زمن مبكر ومن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أول شارح لكتاب الله يبين للناس ما نزل على قلبه؛ لأن الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- فما كانوا يجرئون على تفسير آية وهو – صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى لم يكن بد للصحابة العلماء بكتاب الله الواقفين على أسراره من أن يقوموا بتوضيح ما فهموه.
والمفسرون من الصحابة كثيرون، إلا أن مشاهيرهم عشرة:
الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
¥