تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والرواية عن الثلاثة قليلة جداً، وأن السبب تقدم وفاتهم، وأجدر العشرة جميعاً بلقب عالم التفسير هو عبد الله بن عباس، الذي شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعلم ودعا له بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وقد لقب بـ "ترجمان القرآن".

لكن الناس تزيدوا في الرواية عن ابن عباس وتجرأ بعضهم على الوضع عليه، والدس في كلامه، حتى قال الإمام الشافعي: «لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث».

ومن الذين ورد عنهم شيء من التفسير من الصحابة غير العشرة أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، والسيدة عائشة أم المؤمنين، وما روي عنهم قليل بالنسبة إلى العشرة، وتلقى نفر من التابعين أقوال الصحابة، فنشأت في مكة طبقة للمفسرين وفي المدينة طبقة ثانية، وفي العراق ثالثة.

قال ابن تيمية: «أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس»، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وغيرهم.

وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس.

وعن التابعين أخذ تابعوا التابعين، فجمعوا الأقوال ممن تقدمهم، وصنفوا التفاسير كما فعل سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبد بن حميد، فكانوا بذلك المعين الذي ربى منه ابن جرير الطبري، وجاء المفسرون من بعد ليأخذوا عن ابن جرير. بعد ذلك اتجه العلماء في تفاسيرهم اتجاهات متباينة فكان ما يسمى بالتفسير المأثور، وهو امتداد لما سبق، والتفسير بالرأي، تعددت فيه المناهج وتضاربت الأفكار، فحمد بعضه وذم بعضه.

وأجل التفاسير بالمأثور تفسير ابن جرير الطبري، ويسمى كتابه "جامع البيان في تفسير القرآن"، ومن خصائصه أنه عرض فيه لأقوال الصحابة والتابعين وتحرير أسانيدها، وترجيح بعضها على بعض، واستنباط الكثير من الأحكام، وذكر بعض وجوه الإعراب التي تزيد المعنى وضوحاً.

ويقرب من تفسير الطبري، وقد يفوقه في بعض الأمور تفسير ابن كثير، عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي المتوفى سنة 744 هجرية، ومن مزاياه بساطة العبارة والوضوح في الفكرة والدقة في الإسناد، وتبعا لذلك ألف السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة هجرية كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور".

إلا أن التفسير بالمأثور معرض غالباً للنقد الشديد؛ لأن الصحيح من الروايات اختلط بغير الصحيح، ولليهود وزنادقة الفرس باع طويل في الدس على الدين وتشويه تعاليمه.

بعد معرفتنا وعرضنا للتفسير بالمأثور لابد أن نتعرض للتفسير بالرأي الذي اختلف العلماء حوله، فمن محرم ومن مجوز، والمحرم سببه الجزم بمعنى قول الله في كتابه العظيم من غير برهان، أو محاولة التفسير مع جهل المفسر بقواعد اللغة وأصول الشرع، وتأييد بعض الأهواء بآيات القرآن العظيم زوراً وبهتاناً، أما إذا كانت الشروط المطلوبة متوافرة في المفسر فلا مانع من اجتهاده ومحاولته في التفسير بالرأي.

قال تعالى:

? أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ? [محمد: 24].

وقال أيضاً:

? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (29) ? [ص: 29].

وأشهر التفاسير بالرأي التي تتوفر فيها الشروط الصحيحة تفسير الرازي المسمى "مفاتيح الغيب".

ويعنى ببحث الكونيات عناية خاصة، ويقسم الآية والآيات التي يفسرها إلى عدد من المسائل ثم يسترسل في تأويلها.

وتفسير آخر بالرأي للبيضاوي المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، ولا يفوته التنبيه على قواعد اللغة، وأكثر مروياته غير صحيح.

وتفسير آخر لأبي السعود، وهو "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم" يعنى بالأبحاث المتعلقة بإعجاز القرآن، وهو جميل الأسلوب يتذوق بلاغة القرآن العظيم بشكل سليم.

وأما التفسير النسفي أبو البركات عبد الله بن أحمد المتوفى سنة 710 هجرية، فهو يرد على أهل الأهواء والبدع، وهو جامع لوجوه الإعراب والقراءات، وفيه إشارات لروائع البلاغة القرآنية في عبارة موجزة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير