تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأصل في كتابتهما بالمحذوف، وفي الوثيقة التالية التي جاءتنا من مكتبة جامع القيروان وهي من مصحف لم يتبقى من أوراقه سوى ستمائة وألفي ورقة تحتفظ بها المكتبة الوطنية بتونس، وكتبت على خمسة أسطر وبالخط الكوفي القيرواني الريحاني.

وكتبها وجلدها علي بن أحمد الوراق القيرواني لفاطمة الحاضنة سنة 410 هجرية.

نلاحظ انسياب الحروف وجمالها، ودقة التوزيع والتنسيق فيما بين الأسطر، ونقرأ من سورة البقرة: ? اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? [البقرة: 255].

إن أثر الجودة والعناية واضح في تنوع منبسطات الحروف مع الألفات الموزونة الطول ودقة الفراغ بين الصواعد وسائر الحروف.

وامتاز المصحف في أوراقه وحروفه بالشكل المثلث الكبير للحروف ذات الرؤوس كالواو والميم والهاء، وكذلك السين والدال، وليتحد شكلهما مع الحروف الأخرى، ورسمت عيون هذه الأحرف دوائر صغيرة مفتحة ومن ميزات هذا المصحف أننا نشاهد حرف الألف بعقفته نحو اليمين، ونرى الألف المتصلة، وحرف الدال وفيهما طرف ينحدر عن مستوى السطر، وعراقة الراء والميم خط دقيق بجانب القلم، وميل في ألف حرف الطاء وكأنما تشبه حرف الكاف، واستقامتها في ثلثها الأعلى، ونلاحظ أيضاً كبر رأس العين في جميع الحروف، وسيبقى هذا الأثر واضحاً في جميع المصاحف التي ستأتي من بعد.

وللألف لام ميلان نحو اليمين في الألف المركبة على اللام، ولقد اتبع الخطاط ابن الوراق في هذا المصحف طريقة الخليل بن أحمد في الشكل من ضم وفتح وكسر وشدة، وجعل رأس الهمزة رأس عين صغيرة. وابتكر للمدة صورة وضعها في رأس الألف في قوله: ? بِمَا شَاءَ ?، وابتكر للصلة جرة، جعلها إتباعاً لموقع الحركة، وهو ما تمتاز به المصاحف المغربية عن غيرها، وإن نظام بدايات السطور ونهاياتها واتزان الحروف واتصالها ببعضها لا يدل على تمكن يد الخطاط وذوقه الرفيع.

ويتجلى في رسم الحروف ذات الرؤوس في شكل مثلثات، وإخضاع حروف أخرى لهذا الشكل، والكلمات أيضاً، وابتكر ياءً راجعة في قوله ? الْعَلِيُّ ? بعد أن نسق الفراغ فيما بين أعلى الكلمة وأسفلها.

إن هذا الفراغ الذي يفصل الخطوط المستقيمة بدقة واستواء لهو امتحان لبراعة الكاتب وإجادته، وهذه القاعدة التي اتبعها في هذا المصحف من تنسيق البياض بين أجزاء الحروف الضخمة لهي من الأساليب المتبعة عند أهل المغرب، وفي كتاباتهم عبر الزمن الطويل.

ولقد كان للخط العربي تأثير في الكتابة الكوفية منذ عهد الأندلس، ومنهم شاع هذا التأثير في الأساليب الخطية الغربية اللاتينية، إنه القرآن المعجز في كل جوانبه.

تأخرت كتابة المصاحف الشريفة في المغرب والأندلس وتأخر تدوينها أكثر من قرنين من الزمان عن تدوينها في المشرق، وأقدم المصاحف التي جاءتنا من الأندلس أو المغرب لا يتعدى القرن الرابع الهجري، وكان أهل إفريقية والأندلس يسيرون في كتابتهم مسيرة أهل المشرق، ويحذون حذوهم في استخدام قلم الكوفة المحقق اليابس، وينقطون الحروف ويعجمونها على طرائق أبي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي مع بعض التبديل والتغيير والتعديل.

ولما غدت القيروان حاضرة المغرب ومهبط الفن في إفريقية وشبه الجزيرة الليبيرية انتقل إليها كتاب وعلماء وفنانون ومزخرفون ومذهبون.

وقامت في المغرب نهضة خطية لا مثيل لها، وأسست مناهجه ومدارس ومذاهب في الكتابة لا علاقة للمشرق بها.

وتميزت بلاد الأندلس عما هو في بغداد في دخول المرأة هذا الميدان ونوالها شرف الكتابة، كتابة المصحف الشريف، وكانت النساء الأندلسيات في الدواوين يعملن كاتبات وخطاطات، يعملن مع لبنى بنت الخليفة المستكفي.

وكانت فاطمة العجوز تنسخ لها بخطها الجميل الكتب وتخرجها مذهبة رائعة.

وممن اشتهرت من النسوة ونالك شرف كتابة المصحف العظيم عائشة بنت أحمد وراضية مولاة عبد الرحمن الناصر لدين الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير