تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللنقط فنون وعلوم، والألوان فيها تأخذ جل المعاني فالأصفر والأخضر والأحمر واللازبرد وغير ذلك كل منها له دلالة ووظيفة، وكل دائرة لها معنى ولها اصطلاح واشتهر في طليطلة نصر المصحف، وابن مفضل من أهل مالقة الذي كتب سبعين مصحفاً كاملاً، ومحمد بن حكم بن سعيد الذي أجاد في كتابة مصاحفه، وكان الناس يتنافسون على اقتناء مصحف من خطه.

وأورد ابن الأبَّار المؤرخ الفلنسي عدداً كبيراً من كتبة ونساخ المصاحف من أهل فلنسيا وغرناطة في القرن السابع والثامن الهجريين، وتقول المصادر الأسبانية التي احتفظت بوثائق مصحفية مؤرخة سنة 900 وبعد أن انتهت حركة الاسترداد ظل بين ظهرانينا المورسكيون، الذين حافظوا على مصاحفهم، وتعليمهم الديني، وكتبهم ومخطوطات الأجداد التي تركوها، ولكن بقدر ما تسمح الظروف لهم، وبقدر الزمن الذي كانوا يعيشون فيه، وقد قاومنا مسألة تعليم القرآن مقاومة عنيفة، وأدت أوامر التحريم المتكررة اعتبار هذا الميل جريمة، وانتهى بطرد المورسيكون من أسبانيا، والموريس اصطلاح أسباني أطلق على اللاجئين المسلمين وهي مرادفة لاصطلاح المدجلين الذين استكانوا وبقوا بعد سقوط آخر دولة إسلامية في الأندلس.

لقد حفظ التاريخ لنا بعضاً من الوثائق والمخطوطات والمصاحف نرصد من خلالها مسيرة التطور في الرسم القرآني المصحفي المغربي والتي تختلف قليلاً عن مسيرة التطور في مصاحف أهل المشرق.

وبين أيدينا وثيقة من مصحف يعود لفترة ازدهار الحضارة في المغرب والأندلس، وتحتفظ به مكتبة الأوسكريال، وكتب على الرق وهو من القرن السادس للهجرة، ونقرأ في الوثيقة من سورة المرسلات ورأس سورة النبأ والبسملة: ? وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) ? [المرسلات: 42: 50]، سورة النبأ أربعون آية، بسم الله الرحمن الرحيم.

نشاهد في هاتين الصفحتين طرازاً جميلاً لحرف متطور عن الكوفي اليابس، وفيه من الليونة ما يدل على النظرية التي كنا قد أشرنا إليها فيما مضى، وهي أن الخط المغربي تحول مباشرة عن الكوفي اليابس، بعكس ما جرى مع المشرق حين تطور النسخ عن خط الرسائل اللين.

كما نشاهد في هذه الوثيقة الحفاظ على الرسم العثماني وهي ميزة تميزت بها المصاحف المغربية والأندلسية، فلم تخالف رسوم المصحف الإمام، وإنما بقيت محافظة عليه طيلة الزمن الطويل.

كتب هذا المصحف بمداد لون بني ووضع رسوم الشدة والسكون بلون أزرق.

وقد يتساءل المرء عن اختياره للشدة والسكون لوناً واحداً، وحين نعلم أن الخطاط كان على علم بالعربية والتجويد يزول التساؤل، وهذا من توافق المبنى مع المعنى، فالشدة عبارة عن حرفين ساكن فمتحرك، والسكون ساكن هادئ، فتوافقت الشدة وتآلفت معه؛ لأنها من ذوات الصوت الخفي، ولن ينسى الناسخ أن يضع حرف ميم للإقلاب، وبلون أزرق وهي توحي بالسكون أيضاً ففي قوله: ? هَنِيئًا بِمَا ? نلاحظ حرف الميم باللون الأزرق، وكذلك في قوله: ? حَدِيثٍ بَعْدَهُ ? ونشاهد في هذه الوثيقة أيضاً الخلاف في الرموز المشرقية، وهي الفوارق التي نأى بها المغاربة عن المشارقة فنقطت الفاء بنقطة من الأسفل، ونقطت القاف بواحدة، وأما الضمة فقد رسمت حرف راء بدل الواو، وهي مأخوذة من فعل "رفع"، وشكلت الحروف باللون الأحمر على طريقة الخليل، والفتحة رسمت مستقيمة، كما وضعها الخليل ألفاً مبطوحة مالت مع مرور الزمن، وأما الهمزة فقد رسمت نقطة صفراء برتقالية، ووضعت كلمة مد في ? هَنِيئًا ? رمزاً للمدة، ورسمت دوائر ثلاث فواصل بين الآيات وهي مضفورة تنبئ عن بداية تطور الفن الزخرفي، ورسم حرف الهاء بالذهب نهاية كل خمس آيات دلالةً على التخميس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير