تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد استخدم فيه كاتبه قواعد أبي الأسود بالألوان، مما جعل الصفحة ذات بريق رائع وحسن أخاذ، كما تظهر في الصفحة فواصل الآيات، وقد زينت بشكل أزهار دائرية زرقاء، ونلاحظ علامة التعشير وهو حرف الياء في هذه الفواصل، وهذه الوثيقة من النوادر جداً، ومن المعروف أن الكتابة بالذهب كانت تقتصر على مصاحف الخلفاء والأمراء فحسب، ولقد ضاعت معظم صفحات الصحف، ولم يبق منها سوى هذه النادرة.

ونلاحظ دقة وإتقان الحروف التي توحي ولكأن كاتبها قد خطها بمسطرة.

ونقرأ في هذه الوثيقة من سورة "ق" ومن الآية السادسة من قوله تعالى: ? أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ? [ق: 6: 14].

إن ما صنعه الخطاط في هذه الوثيقة أن أجرى تعديلاً وتطويراً في حركة التنوين حين يأتي مكسوراً، فقد نقطه باللون الأزرق وبدائرتين متجاورتين، وهذا ما لا نبصره في جميع المصاحف، إذ لم يقتصر على تغيير اللون فحسب، وإنما وضع النقطتين متجاورتين، وإن في هذه الصفحة من الإتقان ما هو عجيب ينم عن صبر طويل وجلد، فقد وضع في الصفحة عشرة أسطر، وانتقى الصفحات مستطيلة الشكل كما جرت العادة في المصاحف الأولى.

ومن المصاحف الكوفية المذهبة وصلتنا وثيقة هامة لما تحويه من غلظ القلم أثناء الكتابة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا المصحف كتب لأمير أو لسلطان طاعن في السن، ويدل عليه حجم القلم الذي كتب فيه كي يبصر القارئ بوضوح كلمات الله في كتابه المجيد.

وقد صورت الكلمات كما جرت العادة بمداد السناج وبلون بني.

وخطت الآيات على الرق، وجعلت الفواصل باللون الأزرق، وكتب بداخل الفاصلة رقم الآية حرف لام، ويوازي رقم ثلاثين في حساب الجُمَّل، ثم وضع الرقم كتابة على الحاشية، وهذا تطوير جديد في ترقيم المصحف، إذ كنا نشاهد فيما مضى علامات التخميس والتعشير فحسب، وليس من أرقام على صفحات القرآن العظيم.

ونقرأ في هذه الوثيقة آيات من سورة العنكبوت من قوله تعالى: ? وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) ? [العنكبوت: 31، 32].

تعود هذه الوثيقة إلى القرن الثالث الهجري وهي من القيروان، وقد مضى على كتابتها أكثر من ألف سنة، وما زالت تحتفظ ببريقها وجدتها، وكأنها كتبت حديثاً وذهبها يضيء ولكأنه ثقل حديثاً، وتوجد صفحة أخرى من هذا المصحف النادر الذي عفت عليه القرون وضاعت صفحاته ضمن مجموعة متحف مدينة "سان بيتر سبورج".

ومن الصفحات النادرة أيضاً التي جاءتنا من القرون الخالية صحيفة من مصحف شريف متميز بالخط الكوفي المذهب على الرق المصبوغ بالنيل الأزرق الداكن دون علامات تشكيل، ووضعت فواصل آياته على شكل دائرة بالفضة، وهذه الوثيقة فيها ملامح ومعالم بداية استقرار صنع الألوان المجردة التي ترمز إلى السماء الزرقاء، واستعمل الذهب للكتابة ليؤدي دور التضاد في اللون مما يبهج العين ويعجب به المتأمل.

وتعود هذه الصفحة للقيروان، ومن مطلع القرن الرابع الهجري، وينسبها بعض الخبراء للقرن الثالث، وقد خطت لأحد الحكام الفاطميين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير