ومن أهم من نقل رسم كلمات القرآن العظيم إمام المدينة في الرسم نافع بن عبد الرحمن بن أبي النعيم، المتوفى سنة 169 هجرية، وهو أحد القراء السبعة الأعلم، وهو من أهم من نقل رسم المصحف.
ولد بالمدينة وأقرأ الناس بها بكثير من القراءات، وعاش عمراً طويلاً، وكان مصحف عثمان -رضي الله عنه- الذي أعطاه لأهل المدينة يحتفظ به عنده، وقد حفظه برسمه عن ظهر قلب، وقرأ عليه خلق كثير، فقد أقرأ الناس أكثر من سبعين سنة، وشرق تلامذته وغربوا، ونقلوا عنه علوم رسم كتابة المصحف.
ومنهم سليمان بن مسلم بن جماز، المتوفى سنة 170 هجرية، وإسماعيل بن جعفر المدني المتوفى سنة 180 هجرية، وعبد الله بن وهب المتوفى سنة 197 هجرية، والغازي بن قيس الأندلسي المتوفى سنة 199 هجرية، وعيسى بن مينا قالون المتوفى سنة 220 هجرية، وفي البصرة كان أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة 154 إماما في الرسم، وفي الكوفة كان أبي عمارة حمزة بن حبيب الزيات المتوفى سنة 156 من أئمة الرسم أيضاً، وفي دمشق كان أبو الدرداء المتوفى سنة 132 هجرية إماماً في الرسم.
أخذ عنه عبد الله بن عامر المتوفى سنة 118 هجرية، وجاء هشام بن عمار المتوفى سنة 245 فأخذ الرسم عن ابن عامر وكان إمام أهل دمشق في زمانه.
هؤلاء هم أئمة الرسم وعماد الرواية، ينقلون كلمات المصحف العظيم كما هي، وألف ابن عامر والكسائي والفراء كل منهم كتاباً في علوم فن رسم رموز وكلمات المصحف الشريف.
ظلت المصاحف إلى جانب روايات الأئمة المصدر لدراسة رسم كلمات المصحف، والمؤلفون يروون الروايات المتقدمة، ويعقبون بأنهم رأوا ذلك في مصحف بلدهم، والمصاحف المخطوطة في الزمن الأول خير شاهد ودليل، وأفضل معين وأصدق رواية عن طريقة رسوم كلمات المصحف العظيم، والتي لا يمكن أن يغفلها أمام روايات وكتابات المدونين لعلوم الرسم المصحفي.
يطلق على الرسم المصحفي الذي كتبت به حروف القرآن العظيم وكلماته اسم الرسم العثماني نسبة إلى سيدنا عثمان -رضي الله عنه- وهذا لا يعني أن الخليفة عثمان -رضي الله عنه- قد وضع رسوم المصحف وهيئة كلماتها، وإنما هو الذي أمر أن يجمع في عهده ويخط من المصحف الأم الذي خط زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجمع لأول مرة زمن الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولا فضل لعثمان في الرسم إلا أمره بالجمع بعد أن أخذ مشورة الصحابة، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، الذي كان يقول دائماً: «لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل بالمصاحف إلا بأمر منا».
وفي الرسم هذا لا يطابق المنطوق المكتوب، والرسم يتحمل أكثر من وجه، وأكثر من صورة منطوقة، لقد ألفت كتب كثيرة في علم الرسم المصحفي هذا من حيث هو علم، وفي ذلك اهتمام عظيم للقرآن العظيم فهو كلام رب العرش -جل وعلا- الذي سيظل في الأرض حتى يرثها ومن معها.
ألف السجستاني أبو حاتم المتوفى سنة 255 هجرية كتاباً في اختلاف هجاء المصاحف، وألف أبو عمرو الداني المتوفى سنة 444 هجرية كتاب "المقنع والمحكم"، وألف سليمان بن نجاح المتوفى سنة 496 هجرية كتابه "التنزيل"، وألف أبو العباس المراكشي المعروف بابن البناء المتوفى سنة 721 هجرية سفره النفيس الذي يعد من أندر الرسالات في موضوعه وهو كتاب "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل".
يقول ابن وثيق الأندلسي المتوفى سنة 654 هجرية: «اعلم وفقك الله أن رسم المصحف يفقتر إلى معرفة خمسة فصول عليها مداره أولها: ما وقع فيه من الحذف، وثانياً: ما وقع فيه من الزيادة، وثالثها: ما وقع فيه من قلب حرف إلى حرف، ورابعها: أحكام الهمزات، وخامسها: ما وقع فيه من القطع والوصل».
ويعرف الخط بأنه تصوير اللفظ بحروف هجائه، ومن هنا كان الأصل في كل مكتوب أن يكون موافقاً تماماً للمنطوق به زيادة ونقصاً وتغييراً، إلا أن هذا الأصل خولف كثيراً في المصحف المكتوب، وظل مصطلح الرسم القرآني مستقلاً بنفسه، جارياً في بعض ألفاظه على غير قياس، غير متأثر ببعض القواعد الهجائية القديمة أو المستحدثة، وقد نشأ بسبب اختلافات الرسم الإملائي لما هو منطوق علم الرسم القرآني و ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ? [الفرقان: 1]، بسورة الفرقان، و ? تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا ? [الفرقان: 10]، في سورة الفرقان، و ? فَتَبَارَكَ
¥